أعظم خلق لطالب العلم: التواضع، قال: بعض السلف: حق على طالب العلم أن يحثي بالتراب على رأسه من التواضع.
مر إبراهيم بن أدهم بقرية، فأتت امرأة برماد تريد أن تلقيه بالمزبلة، فألقته فوقع على رأس إبراهيم بن أدهم، فأتى أهل القرية يعتذرون منه، فقال: رجل استحق النار؛ إذا صولح بالرماد فهو رابح، يقول: أنا أستحق النار عند الله، وأنا صولحت على الرماد في الدنيا، فماذا عليّ؟
ومرة زاحم رجلاً في الطريق فأخذ هذا الرجل العصا وضرب إبراهيم بن أدهم على رأسه، وقال: إنك رجل سوء، قال: إبراهيم بن أدهم: ما عرفني إلا أنت، وسكت.
وقالوا عن عمر بن عبد العزيز: إنه ذهب يصلي صلاة الليل في الجامع الأموي -وهو خليفة زاهد، مجدد الأمة الإسلامية في القرن الأول- ذهب يصلي في ظلام الليل ولم يكن هناك سراج، فذهب وصلى وهو يبكي، فلما انتهى من صلاته ذهب ليعود إلى بيته، فوطئ رجلاً وهو نائم، فقام الرجل فقال: يا حمار! قال: أنا لست بحمار أنا عمر بن عبد العزيز وذهب.
فهذا هو التواضع.
وزاحم سالم بن عبد الله رجلاً في منى فقال له الرجل: يا مرائي يا منافق، قال: ما عرفني إلا أنت.
وقالوا للإمام أحمد -إمام أهل السنة والجماعة الذي شيعه مليون وثمانمائة ألف في بغداد - قالوا له وهو يحمل الحطب في السوق: نحمل الحطب عنك، فاحمر وجهه وقال: نحن قوم مساكين لولا ستر الله لافتضحنا.
سفيان الثوري حصد الزرع بالمنجل وأخذ أجرة، والإمام أحمد كان يلقط السنابل ويضعها في مكتل بأجرة، وكان زكريا عليه السلام -كما يقول ابن كثير - يخيط، فكانوا يقولون: كان لا يدخل الإبرة من ثقبها إلا ويقول: سبحان الله! قالوا: فأوحى الله إليه: يا زكريا! لقد رفعتك مكاناً علياً، قال: بماذا يا رب؟ قال: انظر إلى صحائف العباد كل مساء، فإن صحيفتك أعظمها عملاً} تسبيح وتهليل وتكبير، فالتواضع من سيما طالب العلم.
وكلما نزلت إلى التراب كلما رفعك الله، والغبار أخف شيء يرتفع، لكن قال تعالى:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}[الرعد:١٧].
إذا مات الكلب في البحر طفا على الساحل، أما الجواهر والدرر فإن الغواص ينزل لها بكلفة، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، وكلما أراد الإنسان أن يرتفع وضعه الله، وقال: اخسأ فلن تعدو قدرك، ولكن المتواضع كلما تواضع قال: ارتفع رفعك الله، انتعش نعشك الله.