[التعريف بشيخ الإسلام ابن تيمية وبعض صفاته]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، أمَّا بَعْد:
فعنوان هذه المحاضرة، وصية ابن تيمية:
شيخ الإسلام، ابن تيمية يشاركنا جلستنا هذه الليلة، ويتحفكم بهدية.
أبو العباس ابن تيمية البطل المجاهد الزاهد العابد، العلامة النحرير، الكاتب العبقري.
ابن تيمية يهدي لكم هدية، ويوصي كل مسلمٍ في هذه الليلة، وصية ولسان حال ابن تيمية يقول:
أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم
وحمّلها جُهد المُحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألمُ
لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتمُ أو حضرتمُ
من هو ابن تيمية؟
بين يدي الآن المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، التي شريناها وما قرأناها، إلا القليل.
الفتاوى التي فيها ما هو أغلى من الدنيا، وأغلى من الذهب والفضة.
فيها المنهج الرباني، والفهم السلفي الصحيح للعقيدة، وفهم الكتاب والسنة.
في المجلد العاشر في الصفحة (٦٥٣) يسأله سائلٌ عن مسألة ويجيب عليه ابن تيمية، لكن قبل أن أذكر السؤال، وأذكر وصية ابن تيمية، أقف دقائق مع شيخ الإسلام.
أنا لن أترجم له فقد ترجم له الأئمة، والذين ترجموا له من العلماء وصنفوا فيه أكثر من ستين عالماً، وشيخ الإسلام مجدد، حتى إن بعضهم تجاوز القنطرة فقال: ابن تيمية ليس مجدد مائة سنة، بل مجدد ألف سنة.
تقدم شاعراً فيهم خطيباً ولولاه لما ركبوا وراءه
أحد المستشرقين يقول: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض -يعني: ديناميت- فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن.
والديناميت كتب حياة، ليست الثقافة السخيفة، أو الكتابات الميتة، كتابات البيع والشراء، عليها حقوق الطبع محفوظة، وليس فيها حفظ ولا فهم، ولا وعي ولا شيء يستفاد منه، ولكن من أراد أن ينظر إلى الإبداع والروعة، وإلى العبقرية، والإشراق، وإلى الفهم، فليطالع كتب ابن تيمية.
يقول ابن القيم: كان شيخنا يكتب في اليوم كراريس.
ماذا يفعل ابن تيمية؟
يصلي الفجر ثم يجلس في مصلاه يقرأ ويردد سورة الفاتحة حتى يرتفع النهار، ثم يلتفت إلى تلاميذه ويقول: "هذه غدوتي -يعني: فطوره، غدوته الروحية- ولولاها لسقطت قواي، ثم يأخذ القلم، فيمتشقه ويسله فيكتب مما أعطاه الله بدون مرجع ولا شيء، مرجعه ما أعطاه الله في رأسه، يطالع في الآية الواحدة أكثر من مائة تفسير ثم لا يعجبه ما كتب المفسرون، يقول: فأمرغ وجهي في التراب وأبكي وأقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.
فيعلمه معلم إبراهيم، ويفهمه مفهم سليمان، فيأتي بعلم ما سمع به الأولون ولا الآخرون.
كان يلوي رجلاً على رجل، ويكتب كراريس في يوم، كتب التدمرية، من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، وقررت علينا في أصول الدين فرسب كثيرٌ منا، لأن اسمها التدمرية تدمر كل شيء بأمر ربها، كتبها في ساعة، ودرست في سنة، وشرحها الأساتذة والدكاترة، وامتحن فيها، ومع ذلك ما أفلح الكثير، وما فهمها الكثير، ابن تيمية كان متصلاً بالله، ليس عنده أحد.
دخل الإسكندرية والسيوف مصلتة في الشارع، يريدون ذبحه، قالوا: يا ابن تيمية خفف، عُد عن أقوالك، لأنه كان يهاجم المبتدعة القرامطة والباطنية والرافضة والملاحدة والذين خالفوا السياسة الشرعية، ويقولون: كلهم أعداؤك يريدون ذبحك، فيتبسم ويقول: تهددوني بالناس، والله كأنهم الذباب، وينفخ في كفه.
لأنه اتصل بالله عز وجل، ولذلك كان قوي الإرادة.
وابن دقيق العيد عالم القرن السادس، لما رأى ابن تيمية يتدفق من العلم، قال: رأيته يغلق عينيه ويتكلم، فلما فتح عينيه وسلم عليه ابن دقيق العيد، قال له: والله ما أرى أن الله يخلق مثلك، فغضب ابن تيمية من هذه الكلمة، لكن ابن دقيق العيد رأى شيئاً أذهله، رأى رجلاً يتفجر بالعلم، يجلس مع علماء الأصول، وعلماء النحو، والتوحيد، والمنطق، والفقه، والفرائض، فيشبع كلاً من علمه، وما أتى له رجلاً ينافسه إلا غلبه، وذلك بالحجة والبرهان.
كان خطيباً ومفتياً، وواعظاً وزاهداً، ومجاهداً.