للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أهمية الصبر عند المصائب]

يقول الشاعر العربي:

صابر الصبر فاستجار به الصبر فقال الصبور للصبر صبراً

ما معنى البيت؟

يقول: هذا البطل صابر كثيراً، حتى قال له الصبر من طول صبر الرجل: أرجوك لا أستطيع أن أصبر معك، قال: فغلب هذا الرجل الصبر، قال:

صابر الصبر فاستجار به الصبر فقال الصبور للصبر صبراً

قالوا لـ عنترة بن شداد: كيف غلبت الرجال؟

عنترة جاهلي كان يحطم رءوس الأبطال في المعركة فقال للرجل: ضع أصبعك في فمي فوضعها، قال: وخذ أصبعي في فمك، وكل منا يعض الآخر، فأخذ يعض هذا هذا، وهذا هذا، حتى صرخ الرجل: فأطلق يده، فقال: بهذا غلبت الرجال، أي: بالصبر.

يقول النابغة الجعدي للرسول عليه الصلاة والسلام وهو يمدح قومه:

سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكنا كنا على الموت أصبرا

يقول: إن القبائل التي نحاربها قبائل شجعان وأبطال وفيهم شهامة، ولكن نحن أصبر منهم: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤] {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠] فيقول: يا رسول الله! نحن نقاتل الشجعان لكن نصبر قليلاً فنغلبهم، فتبسم عليه الصلاة والسلام لما سمع هذا الكلام العجيب.

على كل حال يقول سبحانه في العبر والقصص التي تحدث على الناس {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧] ونريد أن نحلل الأحداث التي وقعت في منطقتنا، ومن رؤية إسلامية، تحليل الكتاب والسنة، لنستفيد من الحدث، ولئلا نقع في الخطأ، لعل الله أن يحرس علينا بلادنا، وأعراضنا وأموالنا، وأن يرد إخواننا إلى بلادهم ورسالتهم وأعراضهم.

أول درس: أن عليك أن تنظر إلى الخطأ، الذي أخطأ فيه الناس فتجتنبه، جاء في كتب أطروحات الأدب: أن رجلاً رأى وزيراً من الوزراء في عهد بني العباس، وهذا الوزير تولى أبوه قبله الوزارة فقتل، وقبله جده فقتل، فتولى الوزارة، فقال هذا الرجل: سبحان الله تولى الوزير؟!

قالوا: نعم.

تولى مع أنه يعلم أنا أباه وجده قتلا، قال: حماري أذكى منه، قالوا: كيف؟

قال: عثر حماري العام الأول قبل سنة في مكان، فلما أتيت إلى ذلك المكان انصرف منه.

أي: مع أن الحمار وهو أبلد الحيوانات، إذا عثر في مكان اجتنبه مرة ثانية، ومما يحكى في كتاب كليلة ودمنة: أن الأسد جمع الحيوانات فألقى عليها فكاهة وطرفة، فضحكت إلا الحمار ضحك بعد ثلاثة أيام، قالوا: لماذا لم تضحك إلا اليوم؟

قال: ما فهمت الفكاهة إلا الآن! هذا من الكلام الذي يقال.

سوف أذكر لكم كلام علي وكلام عثمان في مسألة هذه الوحوش.

يقولون: جمع الأسد الوحوش وقال: اذهبوا وصيدوا لي صيداً فذهبوا فصادوا أرنباً وظبياً وغزالاً، وأتوا بها إليه، فقال: من يقسمها بيننا؟

والأسد تعرفونه وقد ذكره الله في القرآن، وله مائة اسم وهو أشجع حيوانات الغابة على الإطلاق، يسمى الملك.

يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:٥٠ - ٥١] والأسد اسمه حيدرة ولذلك يقول علي بن أبي طالب.

أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة

قال: من يقسم بيننا الأرنب والغزال والظبي، فقال الذئب: أنا.

قال: تفضل، لكنه أخطأ؛ لأنه لا يعرف أنه مع وحش سفاح، فقال له: أما الغزال فلك، قال: طيب، وأما الظبي فلي -للذئب- والأرنب للثعلب، قال: كذبت يا عدو الله، ثم أخذ مخلبه وأنشبه في رأس الذئب فخلع رأسه في الأرض، قال: من يقسم بيننا؟

قال: الثعلب أنا -أبو معاوية- قال: تفضل، قال: الأرنب فطور لك، والظبي غداء لك، والغزال عشاء لك، قال: من علمك هذه الحكمة، قال: رأس الذئب المخلوع.

فالمقصود: أن الإنسان يتعلم دروساً من الزمن، وهذه من الحكم التي يلقيها العلماء، وتجد بعض الناس يقول: ما فائدة هذا المثل؟ وهو ليس في صحيح البخاري ولا صحيح مسلم؟

فكتاب كليلة ودمنة ألفه أحد الحكماء، إن ملكاً من الملوك طلب من أحد الحكماء أن يكتب له نصائح، فبدلاً من أن يتحدث عنه وعن حاشيته، تحدث عن الحيوانات، ثم أعطاه المجلد يقرؤه، ليكون له رواج عنده، على كل حال هذه من العظات حتى لا تقع في الخطأ الذي وقع فيه غيرك، وأن تتنبه لها، فإن مصائب قوم عند قوم فوائد.

واعلموا أنه لا يسلم من النكبات أحد، يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله وقد ذهب يجاهد في سبيل الله فرأى قصراً للأمير عبد الله بن طاهر في خراسان فقال: والله لقصيدة عدي بن زيد خير عندي من هذا القصر، تدري ماذا يقول عدي بن زيد، وهو جاهلي يقول:

أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور

يقول: يا من يعيرنا! يا من يسبنا بالنكبات والمصائب! انتظر قليلاً، بعض الناس شامت والعياذ بالله، يشمت بإخوانه أنهم أصيبوا في أعراضهم، وأموالهم، ودورهم، وقصورهم، فيقول:

أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور

من رأيت المنون خلفن أم من ذا عليه من أن يضام خفير

أين كسرى كسرى الملوك أنو شروان أم أين قبله سابور

إلى آخر ماقال، يقول: أين الناس؟ أين السلاطين؟

لماذا تعير الناس؟ أعندك عهد من الله ألا تصيبك مصيبة؟

هذا عدي بن زيد كان جاهلياً لكنه كان عاقلاً لم يكن يشرب الخمر.

نزل مع النعمان بن المنذر ملك العراق، فلما نزلوا أخذ النعمان بن المنذر يشرب الخمر، قال: أيها الملك أبيتُ اللعنة -وهذه كلمة استئذان عند الملوك في الجاهلية، أبيت اللعن- أي: اسمح لي أن أتكلم -قال: تفضل، قال: أتدري ماذا تقول هذه الشجرة؟ قال: تقول:

رب ركب قد أناخوا حولنا يخلطون الخمر بالماء الزلال

قد مضوا عاماً وعاماً ثانياً ثم ساروا جثثاً تحت الرمال

فبكى النعمان وترك الخمر، وهذه من الحكمة في الموعظة، يقول: تقول الشجرة، والشجرة لا تتكلم لكنه أخبره أنها تقول: قد جلس قبلك ملوك شربوا الخمر، وأصبحوا تحت الرمال أخذهم هادم اللذات، وآخذ البنين والبنات، ومشتت الجماعات.

قدموا كوباً من فخَّار -آنية- هذا الذي يصنع من الطين، فيه ماء بارد لـ علي بن أبي طالب، فنظر في الكوب، قالوا: مالك يا أمير المؤمنين؟

قال: كم في هذا الكوب من طرف كحيل، وخد أسيل!

ومعنى كلامه: إن جثث الناس التي أصبحت في الطين، ربما صاغوها في هذا الكوب الفخار من الطين، ويمكن أن عيون الآباء والأجداد أصبحت هنا، وأن بعض لحومهم أصبحت في هذا الكوب، ولذلك يقول أبو العلاء المعري:

صاح هذه قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

يقول: أنت تقول: قبورك تملأ الرحب، لكن أين قبور القرون السالفة، أين القرون التي ذهبت، أين هم؟!

ما نحن في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، يقول فرعون المجرم لموسى: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:٥١] انظر إلى السؤال الخائب، يقول: أين القرون الأولى أين أجدادنا؟

أنت تقول: يبعثهم الله فأين هم؟!

من يبعثهم؟! قال موسى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:٥٢] هل سمعت أفصح من هذا الكلام؟ {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:٥٢] وسوف يبعثهم ويحاسبهم.

ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي

ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيء

<<  <  ج:
ص:  >  >>