ونتعلم من عثمان رضي الله عنه مع الحياء الخشوع، فقد كان ابن عباس رضي الله عنه إذا قرأ:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}[الزمر:٩] يقول: ذاك عثمان بن عفان، وقال المروزي في كتابه قيام الليل: صح عن عثمان وصحح هذا السند ابن حجر في فتح الباري أنه قام بالقرآن في ركعة واحدة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في الحرم، والقصة مفادها أنه دخل الحرم وهو متلثم لئلا يراه إلا الله، وهو أمير المؤمنين الخليفة الذي إليه السلطة العليا في الدولة الإسلامية، فدخل وكان يحفظ القرآن، فاقترب من المقام بعد صلاة العشاء فكبر، فقرأ القرآن من أوله، وانتهى ومؤذن الفجر يؤذن، في ركعة واحدة.
يقول أهل السير: وقد صح عنه أنه كان يفتح القرآن بعد صلاة الفجر فيقرأ حتى صلاة الظهر فيقول الصحابة: لو خففت على نفسك يا أمير المؤمنين! فيقول: لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن، فهذا درس في الخشوع، والثابت عنه أنه كان يتوضأ في الليل ثم يقرأ ويصلي ويبكي، ثم يعود ينام قليلاً، فما يأتيه النوم من الخوف، ثم يقوم ويتوضأ، وهكذا حتى يطلع الفجر، فهو القانت بالقرآن، وهو المتدبر للقرآن، يقول حسان في مرثيته لـ عثمان بعد أن قتل:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
يقول: هؤلاء المردة الفجرة ضحوا برجل عنوان السجود في وجهه، أشمط أي: شيخ لأنه بلغ الثمانين، يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً، وسوف نأتي إلى مصرعه في آخر هذا الدرس إن شاء الله.