إقبال يحتاج إلى محاضرات كثيرة، وأنا أهتز لشعره وأتأثر به، وكما قال أبو الحسن الندوي: يجيش الخاطر وتهتز العواطف، ويلهب الشعور بشيء لا ندري ما هو بسبب قراءة كلمات شعره، فما بالك بشعره إذا كان بلغته هو؟! إنه السحر الحلال، وإنه الوجدان والبركان والزلزال.
وأنا أعرف أن الرجل لم يتمكن من قراءة تفاصيل الشريعة في السنة المطهرة، وإن له بعض العثرات، ولكن عسى الله أن يجبر عثرته، بإجمال إيمانه وبغيرته على الدين، وبأنه قاوم الفلاسفة والمستشرقين الغربيين, وراسل زعماء العالم, ووقف في الجامعات منذراً ومحذراً, وفند الحضارة الغربية أمام الناس، وجمع العلماء وتكلم فيهم كثيراً، وأسس جيلاً يحملون شعره ونبوغه ورسالته, فهو شاعر الإيمان والحب والطموح، وكان يخرج من مدينته الصغيرة في البنجاب في الصباح بعد أن يقرأ ورده من القرآن.
وهذه -أيها الأخوة- عادة جميلة تركناها, والأفغان الآن والباكستانيون والهنود المسلمون يحفظونها دائماً، وهي أنهم دائماً يقرءون القرآن من بعد الفجر إلى طلوع الشمس، هذا برنامجهم اليومي دائماً، مع أنهم في بقية الأوقات يشتغلون بأمور، لكن من بعد الفجر يقرءون القرآن.
كان محمد إقبال يخرج بعد طلوع الشمس إلى الزهرات في كثبان البنجاب وفي حقولها , ويناجي الزهرة ويكتب قصيدة, ويأتي إلى السفح ويكتب قصيده، وإلى النهر ويكتب قصيدة، وإلى الشجرة ويكتب قصيدة، ولكنه يربطها برباط لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ}[إبراهيم:٢٥ - ٢٦] كلمات الفجور في الشعر، كلمات الغناء الفاحش، كلمات الكفر والإلحاد {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:٢٦ - ٢٧].
أيها الإخوة! لا أريد أن أطيل, وربما يكون هناك مداخلات, وهنا أسئلة كثيرة, والآن أترك المجال للدكتور صالح بن عون الغامدي الشاعر والأديب, أن يشارك في هذه الليلة, عل الله أن ينفعنا بما نسمع من هذه المحاضرة، فليتفضل جزاه الله خيراً.