هذا عبد العزيز الجرجاني كان عالماً، وهو أديب عجيب، وقصيدته من أحسن القصائد، وكان ينقبض عن الناس، فقال له الناس:" ما لك تعتزلنا، ولا تخالطنا، ولا تذهب إلى السلاطين؟ " فردَّ عليهم بقصيدة هي من أحسن ما حظي به الأدب العربي، يقول من ضمن أبياتها:
يقولون لي فيكَ انقباضٌ وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
أأشقى به غَرْساً وأَجنِيْهِ ذلَّةً إذاً فاتباعُ الجهل قد كان أحزما
ولم أبتذِلْ في مطلب العلم مُهجَتي لأخدم مَن لاقَيْتُ لكن لأُخدَما
إلى أن يقول:
ولو أن أهل العلم صانوهُ صانَهم ولو عظَّموه في النفوس لعُظِّما
ولكن أهانوه فهانوا ودَنَّسوا مُحَيَّاهُ بالأطماع حتى تَجَهَّما
قال أحد أهل السِّيَر:" كان من العلماء المسلمين عالِم طلب العلم وحفظ القرآن والحديث، ثم أدركه الخذلان والعياذ بالله، خرج إلى المسجد يصلي، فنظر إلى بيت من البيوت، فرأى امرأة طَلَّت عليه كشمس الضحى، لكنها نصرانية، مسيحية، ملحدة، كافرة، فوقع عشقها في قلبه، فترك المسجد، وعاد إلى البيت، فراسلها، فاشترطت عليه ألا يتزوجها إلا إذا ارتد عن الإسلام - لا إله إلا الله {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران:٨]- حاول أن يتزوجها فقالت: مهري أن تترك الإسلام، والمسجد، والقرآن، فتزوجها بعد أن ارتد عن الإسلام، وذهبت به إلى أرض المسيحيين النصارى، فمرَّ به أحد زملائه، فوجده يرعى الخنازير.
وانظر إلى سوء الخاتمة وسوء المنقلب، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}[المائدة:١٣] وجَدَه يرعى الخنازير، فقال له: يا فلان! أين القرآن؟ وأين الحديث؟ قال: والله ما أصبحت أحفظ من القرآن إلا آية واحدة، قال: ما هي؟ قال: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}[الحجر:٢] " هذ الآية منطبقة عليه في هذه الحالة.