للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دروس وعبر من سيرة معاذ]

ونستفيد من سيرة معاذ دروساً:

أولها: ينبغي على الإمام كما مر معنا في الصحيحين أن يتوخى حال المأمومين قوة وضعفاً وشيخوخة وحاجة ومرضاً، فلا يطول عليهم التطويل الممل، ثم لا يقصر تقصيراً مخلاً بل يكون وسطاً كما كان عليه الصلاة والسلام.

ثانيها: أنه قد يخفى على العالم بعض الأمور فإنه قد خفي على معاذ وهو من أعلم الناس بعض المسائل وما نقص من قدره لأن علم الصحابة علم الخشية: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] ثم ألحقوا علم الجزئيات فقد يخفى على أحدهم جزئية ولا تنقص من قدره بل إذا قال: (لا أدري) ازداد ثقة عند الناس وتمكناً في فنه وعلمه.

ثالثها: أن العلماء يتفاضلون، وأفضل علماء الأمة فيما نعلم أو قائدهم خلا الخلفاء الراشدين معاذ بن جبل، فقد حسن عنه صلى الله عليه وسلم في حديث أنه قال: {معاذ يأتي يوم القيامة أمام العلماء برتوة}.

رابعها: أن طريق الجنة عمل عندنا، وليس كما قال غلاة الصوفية من تصوف فصفا، ومن أخذ الوفاء حتى تدرع بالوفاء، هذه كلمات ما أنزل الله بها من سلطان وخزعبلات: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠] طريق الجنة عندنا في سورة يونس: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٢ - ٦٣].

طريق الجنة عندنا في سورة الأنبياء: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:١٠١ - ١٠٣].

وطريق الجنة في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:٣٠ - ٣١].

هذا أبو إسحاق الأندلسي يوصي ابنه ويقول في طريق الجنة:

وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا

وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناده ذو النون بن متى

إذا ما لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا

وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا

وأنا أكرر مسألة هي معلومة لديكم أن الفارق بين علم السلف والخلف هي خشية الله، ولذلك لم يرتفع علماء الصحابة إلا بخشية الله، كان أحدهم لا يحفظ إلا ثلاثين حديثاً أو عشرين أو أربعين ولكنه من أعلم العلماء قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] ووجد في المتأخرين من يحفظ القرآن كاملاً وآلاف الأحاديث ولكنه فاسق {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].

سلام على معاذ في الخالدين، ورضي الله عنه مع الصديقين والشهداء والصالحين، وألحقنا الله به في جنة المكرمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>