للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الأخطاء: استعجال النتائج]

ومن أخطائنا: استعجال النتائج، وهي آفة تصيب الحريصين على الدعوة وعلى الخير، يسابقون الزمن، يبذر الواحد منا البذرة اليوم ويريد النتيجة غداً، وسنة الله عز وجل في الخلق والحياة على الترتيب والتدرج، لا بد من التدرج، الليل لا يفجؤك بسواده، والنهار لا يفجؤك بضوئه، وذلك لأن الله: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد: ٦] تدريجياً.

والإنسان لا يولد من بطن أمه، ثم تنبت لحيته، ويكتمل عقله، ويتكلم على المنبر، بل يولد رضيعاً ثم طفلاً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً هرماً، حتى يصل إلى الله، هذه سنة الله.

كذلك الشجرة، والإسلام كالشجرة، وعرض الدعوة على الناس لا بد أن يكون بالتدرج، وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه أرسل معاذاً إلى اليمن، وقال له: {فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك} بالتدرج، لا تبدأ بالصلاة قبل الشهادة، أو مع الشهادة، بل بعدها: {فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة}.

قال سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه:١١٤]

لكن انتظر حتى يصلك القرآن، وحتى تتثبت مما يقال لك، قال سبحانه وتعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:٣٥] لا تستعجل النتيجة، ولا تقطف الثمرة الآن، اصبر إلى ميقات محدد وأجل مسمى، لتنال أجرك ومثوبتك وثمرتك من الدعوة، قال سبحانه وتعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:١٦] أي لتعجل بالقرآن، قال سبحانه وتعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء:١٠٦] لأنه للتربية، وكذلك عرض الدعوة على الناس، لا بد له من تمهل وتريث واستراتيجية ودقة وحكمة وحنكة، حتى ننتصر وحتى نحصل على مكاسبنا إن شاء الله.

في الصحيحين من حديث صهيب أنه تبرم هو وبعض الصحابة، والرسول عليه الصلاة والسلام متكئ على برد عند الكعبة، فقال له: {يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنهم قوم يستعجلون، وقال: والذي نفسي بيده! ليتمن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون} وبالفعل بعد خمس وعشرين سنة، خرجت كتائبه عليه الصلاة والسلام مهللة مكبرة، ترفع الدين في العالم.

وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دار

وفضفضت مكة الوسنى أناملها وفضت الكون إيذاناً بإخبار

النور أقبل من خلف الظلام وفي عينيه أسرار عشاق وسمار

في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبار

أيضاً لسنا مطالبين بالنتائج، فالنتائج على الله، وإنما عليك أن تدعو، فإن استجيب لك وإلا فأجرك محفوظ مكفول عند الله، سواء استجيب أولم يستجب، ذكر الله نوحاً في القرآن، فقال: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت:١٤] ومع ذلك، لم يؤمن معه كثير من الأفراد، وبعض الدعاة الآن أكثر أفراداً ومستجيبين من نوح عليه السلام، ولكن الأجر لنوح أكثر؛ لأنه رسول، ولأنه تعب وجاهد.

والنفوس مستعصية، وصعبة المراس، ولها دخائل، ولا تستجيب بسهولة، فالرجاء منا أن نتلافى هذا الخطأ، وأن نصبر على المدعوين، وما يمنعك أن تصاحب الشاب -مثلاً- سنة، وتدعوه سنة أو سنتين، رويداً رويداً، لعل القدر أن يستجيبوا بعد سنة، أو سنتين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>