[تأخير صلاة العصر ودعاؤه صلى الله عليه وسلم على المشركين]
وقد صح في أحاديث أن الصلوات التي فاتته يوم الخندق وهو محاصر: صلاة الظهر وصلاة العصر، وصلاة المغرب ثم دخل في صلاة العشاء، هذا في روايات، وبعض أهل العلم يصحح صلاة الظهر، وبعضهم يضعفها، لكن الذي في الصحيحين أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {شغلونا عن الصلاة الوسطى -صلاة العصر- ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً} وفي رواية: {شغلونا عن الصلاة الوسطى -صلاة العصر- ملأ الله صدورهم وقبورهم ناراً} يعني المشركين.
وسبب ذلك أن عمر أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! والله ما صليت العصر! قال صلى الله عليه وسلم: وأنا والله الذي لا إله إلا هو ما صليت العصر إلى الآن -وقد غربت الشمس- فأتى عليه الصلاة والسلام بعدما غربت الشمس، فأذن بلال وأقام فصلى الظهر؛ وهذا في رواية ذكرها ابن كثير ثم صلى العصر ثم صلى المغرب، ثم صلى العشاء} ثم بيَّن صلى الله عليه وسلم في هذا أموراً، وأول شيءٍ نستفيده أن الصلاة الوسطى صلاة العصر: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] فالقول الراجح أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
الأمر الثاني: ما هي العلة في أن يؤخر صلى الله عليه وسلم الصلوات هنا، والله عز وجل قد شرع صلاة الخوف وقت المعركة؟
فالسؤال المطروح: لماذا لم يصل صلى الله عليه وسلم صلاة العصر وقد فرض الله صلاة الخوف؟ يجاب عن هذا بجوابين لا ثالث لهما عند أهل العلم:
الجواب الأول: أن صلاة الخوف لم تنزل إلا متأخرة، ولم تفرض صلاة الخوف آنذاك، ولو فرضت لصلاها عليه الصلاة والسلام صلاة الخوف، وهذا جواب للإمام الشافعي، ورد عليه أن صلاة الخوف نزلت قبل الخندق، فلا دليل له إذاً في النسخ.
وقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نسي الصلوات، وهذا جوابٌ بعيد ولا أعده من الجوابين، لكن أورده ابن كثير وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم نسي هو والصحابة الصلوات، فما صلوها إلا بعد المغرب.
وقيل: يستبعد أن ينسوا؛ لأنهم أكثر الناس اهتماماً بالصلاة، ولأنهم جمعٌ غفير فكيف ينسون كلهم ويجمعون على النسيان؟ لا يكون هذا.
والجواب الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شغل حتى ما استطاع أن يصلي صلاة الخوف، فأخرها صلى الله عليه وسلم فبدأ يصليها مرتبةً صلى الله عليه وسلم.
القضية الأخرى الكبرى: من فاتته صلواته فهل له أن يقضيها مرتبة، أو له أن يقدم أو يؤخر فيها.
وهذه تشمل صورتين: مثلاً نمت عن صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، واستيقظت بعد صلاة العصر، فماذا تفعل؟
السنة أن تقضيها مرتبة، فتبدأ بالعشاء ثم الفجر، ثم الظهر، ثم العصر هكذا، ولا تقدم بعضها على بعض.
واستدل الشافعية بترتيب الفوائت بهذا الحديث، لكن هنا صورة يوردها ابن تيمية، مثلاً: نمت أنت عن صلاة الظهر، وأتيت المسجد، فوجدت الناس يصلون العصر، فهل لك أن تدخل معهم لتصلي العصر، ثم تصلي الظهر بعدها، أم تنفصل وتصلي الظهر ثم تدخل معهم؟ أم تصلي الظهر معهم وهم يصلون العصر فتشاركهم في صلاة العصر، وأنت تصلي الظهر؟ لك حلان في هذه المسألة:
أولاً: لك أن تدخل معهم بنية أنك تصلي الظهر وهم يصلون العصر، فتصلي الظهر ثم تصلي العصر بعد.
ثانياً: أن تدخل معهم فتصلي العصر، فإذا صليت العصر فصل بعدها الظهر، وهذه الصورة التي يقع فيها كثير من الناس وحلها كما ذكرت، والحل الأخير هو الأصوب والراجح إن شاء الله فيما يظهر، فتدخل معهم في صلاة العصر، فإذا صليت العصر فصل بعد العصر الظهر.