للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (سبعة يظلهم الله في ظله)]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أمَّا بَعْد:

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

أيها الإخوة! إن كان للحياة لذة وللعيش سعادة؛ فإنما هو بالجلوس في مجالس الذكر التي إذا انقطع عنها القلب شعر بقسوة ووحشة وغربة.

يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم

إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون هم

نعود إلى البخاري ومسلم، إلى حفظة الإسلام، وإلى كتب هذا الدين الذي شرفنا الله به والشريعة التي بعثها صلى الله عليه وسلم للبشرية، فهدى الله بها من شاء، وأخرج بها من شاء من الضلالة إلى الهدى، ومن العمى إلى النور، ومن الغي إلى الرشاد، فنسأله سبحانه تعالى، فإنه هو ولي المؤمنين الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور؛ أن يخرجنا وإياكم من ظلمات الجهل والشبه والشهوات إلى نور اليقين.

معنا في هذا الدرس حديث مشرق من كلامه عليه الصلاة والسلام، وهو يتحدث إلى كل مؤمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يتحدث إلى الأجيال تلو الأجيال، وهو أبونا عليه الصلاة والسلام، بل هو الأب الروحي كما يقول ابن تيمية، وأما آباؤنا فإن كل أب جثماني ننتسب إليه، أما الانتساب في مبدأ (لا إله إلا الله) والانتساب الحق، إنما هو إليه صلى الله عليه وسلم.

قال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين} نسأل الله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء السبعة.

وهؤلاء السبعة -كما يقول أهل العلم- هم سبعة أصناف وليسوا سبعة أفراد؛ لأنهم لو كانوا سبعة أفراد، فإذا اكتملوا حرم البقية من الأمم ومن الألوف المؤلفة هذا الفضل، ولكنهم سبعة أصناف يأتي في صنف الإمام العادل آلاف، فكل من عدل في رعيته، سواء كان أمير عامة كما يقول ابن تيمية، أو أمير خاصة، وحتى لو كان في بيته، حتى يقول ابن تيمية في فتاويه: من عدل بين طالبين فهو إمام عادل.

فإذا صحح الأستاذ لطالبين فعدل بينهما؛ فهو من هؤلاء الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فإن خان حرم وكان ممن جار في الحكومة عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

إذاً: فهؤلاء السبعة أصناف وليسوا بأفراد، فالإمام العادل يأتي منه آلاف مؤلفة، والشاب الذي نشأ في عبادة الله يأتي منه آلاف مؤلفة، وكذلك الرجلان اللذان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، يأتي منهم ألوف مؤلفة.

والذي ينبغي على المؤمن أن يحرص كل الحرص أن تكون فيه صفة من هذه الصفات إذا لم تكن فيه صفتان أو ثلاث، وهي سهلة ويسيره على من يسرها الله عليه، ولذلك يقولون: إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الأموي الذي يعتبر من الخلفاء الراشدين، اجتمعت فيه صفات، منها: أنه نشأ في عبادة الله، ومنها: أنه إمام عادل، ومنها: أن قلبه معلق بالمساجد، ثم قالوا: ولا يبعد أنه ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ولا يبعد كذلك أنه أحب قوماً في الله، اجتمع معهم في محبة الله وفارقهم على محبة الله إلى غير تلك الصفات.

قال عليه الصلاة والسلام: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله} فلا ظل يوم القيامة ويوم العرض إلا ظل الله، ولا فيء إلا فيئه تعالى، ولا كنف إلا كنفه، فإنه لا يوجد هناك مظلة، ولا شجر، ولا ظلال، ولا شيء يقي من حر الشمس التي تدنو من الرءوس.

يقول عقبة بن عامر: والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {تدنو الشمس يوم القيامة من الرءوس حتى ما يكون بينها وبين الناس إلا ميل.

قال: فوالله ما أدري هل هو ميل المكحلة أو الميل المعروف هذا} ويبلغ الكرب من النفوس مبلغاً عظيماً لا يعلمه إلا الله، حينها ينزل الجبار تبارك وتعالى نزولاً يليق بجلاله على عرشه، يحمل عرشه ثمانية وهو مستو على عرشه استواء يليق بجلاله، لا كيف ولا أين ولا شبيه، بل هو مستو على عرشه كما أخبر بذلك تبارك وتعالى، فإذا نزل نادى بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، سُبحَانَهُ وَتَعَالى -فهو الملك كما قال: مالك يوم الدين، ملك يوم الدين، فلا مالك إلا هو، وفي الحديث الصحيح: {أنا الملك فأين ملوك الأرض} ثم يعيد سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ ثم يقول تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:١٦] حينها ينادي تبارك وتعالى أول نداء، يقول: {أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} وهذا الحديث عن معاذ بن جبل في صحيح مسلم، فيقومون يتخطون الناس حتى يستظلون بظل العرش.

والسبعة في الحديث الذين قال عنهم عليه الصلاة والسلام أنهم سبعة، وعدد السبعة محبوب في الإسلام، فأيام الأسبوع سبعة، والطواف سبعة أشواط والسعي سبعة، ورمي الجمار سبع، وكثير ما يعلق الشارع بعدد سبعة، لأنه وتر والله يحب الوتر، واختار الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام هذا العدد، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: سبعة يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فلنستمع ولنعش مع هؤلاء السبعة؛ عل الله أن يرزقنا أن نكون من صنف ولو واحد منهم، وهو والله سهل بسيط، ولو أن تقوم من مجلسك هذا فتتصدق بصدقة تخفيها حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك، أو تنزوي في زاوية فتذكر الله وتتباكى، أو تحب الصالحين في محبة الله تعالى، أو تشعر قلبك كلما سمعت (الله أكبر) في النداء؛ أن قلبك في المسجد، فتعلقه في المسجد، وهذا وجه بلاغي سوف يأتي عند شرح الحديث.

<<  <  ج:
ص:  >  >>