للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

أما فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠] وقوله: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:١١٤] فلا خير في كلام الناس إلا من أمر منهم بالمعروف أو نهى عن المنكر أو أصلح بين الناس أو أمر بصدقة.

قرية من قرى بني إسرائيل قص الله قصتها في القرآن، وأسلوب القرآن لا يحدثنا عن أسماء القرى لا يقول: اسمها أيلة أو يافا أو حيفا أو النقب لأن هذا ليس فيه مصلحة، يقول الله: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف:١٦٣] لم يسم لنا البحر أيضاً؛ لأنه ليس في ذلك مصلحة لنا أن يكون البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر أو المحيط الأطلنطي أو المحيط الهندي، إنما الشاهد: أنها قرية على ساحل البحر، أتت هذه القرية فحرم الله عليهم صيد السمك والحوت يوم السبت، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:١٦٣].

فأتى يوم السبت فحرم الله عليهم أن يصطادوا، فكانت السمك والحيتان تأتي على ساحل البحر حتى تكاد تقفز على الناس، فإذا انتهى يوم السبت وأتوا يصطادون يوم الأحد لا يجدون سمكة واحدة، ابتلاء من الله.

فقالوا: عجيب! يحرم الله علينا الصيد يوم السبت وفيه يأتي السمك، وبقية الأيام لا يأتي السمك لابد أن نحتال بحيلة، ندخل السمك يوم السبت في خنادق وأنهار ونغلقها، فإذا أتى يوم الأحد اصطدناها.

انظر إلى الخيانة وقلة الأمانة! {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢] حرَّم الله عليهم الشحوم فأذابوها وجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها، فخندقوا الخنادق، وفتحوا الأنهار، وأتت الحيتان ودخلت، فإذا دخلت أغلقوا عليها، فإذا أردت أن تعود إلى البحر لا تستطيع أن تعود، وفي يوم الأحد يصيدون.

انقسم أهل القرية إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قسم فعلوا هذه الفعلة النكراء، الغشيمة الصلعاء، والداهية الدهياء، وعصوا رب الأرض والسماء.

والقسم الثاني: سكتوا كالشيطان الأخرس لم يتكلموا بشيء، كل يقول: نفسي نفسي!

والقسم ثالث: قالوا: هذا منكر؛ فخافوا الله، واتقوا الله، وقالوا لهؤلاء الفاسقين: لا نساكنكم في أرضكم، أنتم في جهة من القرية ونحن في جهة، وبنوا بينهم سوراً عظيماً وقالوا: لا تدخلون إلينا ولا نخرج إليكم، أنتم عصاة وأعداء لله، قد تعديتم حدود الله؛ والله لا نأتيكم ولا تأتونا أبداً، تركوا بينهم نوافذ فقط للتهوية أو للنظر بعضهم ينظر لبعض، وأتى عذاب الله.

وابن عباس رضي الله عنه وأرضاه متوقف يقول: ما أدري ما فعل بالثالثة التي سكتت وعكرمة يقول: أظن أن الله أنجاها وفي الصباح أتى أمر الله الذي لا يرد عن القوم الخاسرين، فقال الله لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:٦٥] كلمة كن {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] أمسوا رجالاً ونساء آدميين وناموا ولهم أعضاء وعيون، يتكلمون ويبصرون، وأصبحوا وهم قردة، وفي الصباح قام هؤلاء فلم يسمعوا صوتاً لأولئك ولا حركة، فنظروا إليهم من النوافذ فوجدوهم قردة.

فيقولون: أين فلان منكم؟ فيرفع القرد يده يقول: أنا، ينادون أين فلانة بنت فلان فترفع يدها.

سبحان الله! هؤلاء هم الممسوخون، وبقي هؤلاء نجاهم الله، أما الطائفة الثالثة فنتوقف فيها لا ندري ما فعل الله بها لكنها طائفة في الحقيقة لم تقدم خيراً لدينها وما غضبت لله.

وفي بعض الآثار أن عابداً من بني إسرائيل اعتزل في قرية، وكان يصلي ويصوم ويعبد الله، لكن المنكرات حوله، الزنا، الربا، شهادة الزور، التقاتل، التناحر، فأنزل الله جبريل، وجبريل عليه السلام متخصص في الإبادة والنسف والإحراق، ولذلك كان بنو إسرائيل لا يحبون جبريل.

يقولون كما في صحيح البخاري للرسول عليه الصلاة السلام من الذي يأتيك؟ قال: جبريل! قالوا: لو سميت لنا غير جبريل لكنا أسلمنا وأطعناك، قالوا: إن جبريل هو الذي كشف أسرارنا، وهتك أستارنا، فأنزل الله عز وجل: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٩٨] ويكفي أن الله عدو لهم لأنهم عادوا هذا، فنزل عليه السلام أراد القرية فوجد العابد وعاد إلى الله والله أعلم قال: يارب! عبد في القرية يعبدك كيف ندمره معهم؟ قال: به فابدأ، لأنه لم يتمعر وجهه من أجلي.

فعلم من ذلك أن خطورة السكوت تعم، وأن الإنسان الذي يعيش سلبياً في المجتمع ليس بمسلم كامل الإسلام، نعم قد ينجو في الآخرة، لكنه أساء لدينه ولمستقبله ولأمته ولبلاده.

<<  <  ج:
ص:  >  >>