للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كرب الدنيا]

أما كرب الدنيا فلا تسمى كرباً في الجملة، ولو سميت بذلك فذلك بنسبة الدنيا، كالدين، والحبس والمصائب والكوارث والحوادث، ولكنها عند المؤمن أسهل ما يكون، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن}.

وقوله عليه الصلاة والسلام: {من نفَّس عن مؤمن كربة} معنى نفَّس: أزال، وأزاح كربة مثل كربة الدَّين والجوع والمرض، وذلك يكون بقضاء الحوائج، والوقوف معه، والشفاعة، ورفع الظلم عنه، ونصرته، والذب عن عرضه، والمحاماة عنه؛ لأن {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً} ومن خذل مؤمناً في مجلسٍ كان يجب عليه أن ينصره فيه خذله الله عز وجل، ولا يجد له ناصراً.

وهذا أمر معلوم، لا يقل الإنسان: نفسي نفسي في المناصرة، بل لا بد للمسلم أن ينصر أخاه المسلم وذلك حق واجب عليه.

وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يقول الله عز وجل يوم القيامة -يوم يحاسب العبد-: يا بن آدم! استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: كيف أطعمك، وأنت رب العالمين؟! فيقول الله: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، فيقول: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! فيقول: مرض عبدي فلان، فلم تعده أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي، يا بن آدم! استسقيتك فلم تسقني، قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان ظمئ فما أسقيته، أما إنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندي}.

وعند الترمذي قال عليه الصلاة والسلام: {أيما مؤمنٍ أطعم مؤمناً على جوعٍ أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مؤمنٍ سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم -انظر إلى العبارات الهائلة وانظر إلى البلاغة في أرقى صورها- وأيما مؤمنٍ كسا مؤمناً على عري كساه الله من خضر الجنة} لماذا قال: من خضر الجنة؟ لأن ثياب أهل الجنة تأتي من ورق الجنة، تخرج هناك أوراق في الجنة فتفصل للعبد المؤمن ثياباً جاهزة كل يوم، هذه خضر الجنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>