[خطر جلساء السوء على الإنسان]
هذان رجلان: جليس صالح وجليس سوء، كان السيئ يقول في الحياة للجليس الصالح: أتصلي؟!
أتزعم أن ربك يبعثك إذا كنت عظاماً وتراباً؟!
أتظن أنك تدخل الجنة؟!
أتظن أن هناك جنة وناراً؟!
وهذا موجود في كل طائفة، والله عز وجل من سننه القدرية الخلقية أن يجعل جلساء السوء بجانب جلساء الخير؛ قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:٣١] هادياً يهدي القلوب، ونصيراً ينصر بالسيف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
إذاً فهذا الجليس استهزأ بذاك، ولكنه ما أطاعه، فأسلم هذا وكفر ذاك، فلما توفيا دخل هذا الجنة ودخل ذاك النار، فيقول المهتدي لإخوانه وزملائه وهم على الأرائك -نسأل الله من فضله-: هل أنتم مطلعون؟
يقول: تريدون أن تطلعوا على النار لتروا زميلي وجليسي السيئ الذي استهزأ بي في الحياة: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٥٤ - ٥٥] أي: وسط النار {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:٥٦ - ٥٧].
يقول: كدت تغويني في الحياة، وأصبحت من الغواية قاب قوسين أو أدنى، وفي بعض الأوقات أكاد أصدقك وأترك طاعة الله، وعبادته، والاتجاه إليه، لكن الله سلم: {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:٥٧] ثم ذكر نعيمه واستقراره: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} [الصافات:٥٨].
ويقول الله سبحانه عن الجلساء: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} الزخرف:٦٧] قال أحد الوعاظ: إياك والجليس السيئ ولو زعمت أنك تهديه فإنه يضرك؛ لأن الجرباء تعدي الصحيحة، ولا تعدي الصحيحة الجرباء.
هل سمعتم أن صحيحة حولت الجرباء إلى صحيحة، لكن الجرباء هي التي حولتها إلى الجرب.
وقال أهل العلم في كلامٍ ما معناه: ليحذر المسلم أن يداخل الناس إلا أن يكون ذا قدم في الصلاح والعلم، لأنه إذا نقص في الصلاح أصابه الفسق، وإذا نقص في العلم أصابته الشبهة.
ولذلك جاء في صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: {لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخل أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فجلسا عند رأس أبي طالب، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله} الحديث
فلولا دخول هؤلاء الجلساء لقال: لا إله إلا الله، لكنهم ما زالوا به حتى في سكرات الموت، فأدخلوه النار.
والجليس السيئ يدخل بمداخل، منها:
أن يغريك بالمال وهو فتنة، يقول ابن تيمية في المجلد الأول من الفتاوى: من احتجت إليه فأنت أسيره، ومن احتاج إليك فأنت أميره، ومن استغنيت عنه واستغنى عنك فأنت نظيره، فالناس علىطبقات؛ إما أن تكون: أسيراً، أو أميراً، أو نظيراً.
والجلساء على هذه الطبقات، إما أن يجالسك فيصبح أميراً لك، أو أسيراً لك، أو نظيراً لك، فإن احتجت له في معاملاتك الدنيوية من مال أو واسطة أو كسب أو أسرة أو غرض دنيوي؛ فقد تأمر عليك، وبإمرته عليك باستطاعته أن يوجهك إلى الخير أو إلى الشر.
فاحذر أن يكون للناس عليك منّة، ولذلك يقول شيخ الإسلام: من تصفية العقائد ألا تسأل الناس شيئاً، ولما بايع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر وسبعة معه؛ اشترط عليهم ألا يسألوا الناس شيئاً، حتى كان يسقط سوط أحدهم من على الفرس، فينزل ويأخذ السوط، ولا يقول لأحدهم: ناولني سوطي.
ولذلك ماسمع في الحديث ولا في السيرة أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ادع الله لي يا رسول الله، مع أن بعض الأعراب يقول: يا رسول الله! ادع الله لي، لكن أبا بكر لأنه لا يسأل شيئاً لم يقل يوماً: ادع الله لي يا رسول الله، مع أنه في حياته صلى الله عليه وسلم، ولم يطلب منه الدعاء.
وصح في ذلك أحاديث كثيرة؛ ولكن لعظم درجة هذا ما طلب رضي الله عنه وأرضاه، وفي الحديث الصحيح: {الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون} وأما رواية: {لا يرقون} فليست بصحيحة، وهي شاذة؛ لأنهم يرقون غيرهم كما رقى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، ووجدت في بعض الأحاديث، لكن ابن تيمية قال: هذه الكلمة ليست بصحيحة، فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقى غيره، والصالحون يرقون غيرهم، لكن لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، لكمال توحيدهم.
الشاهد من هذا: أن الجلساء يدخلون من هذه المداخل، وإذا احتاج إليك كنت أسيره فاتق الله فيه، إذا احتاج إليك في خدمة دنيوية فاجعلها وسيلة لأن تهديه إلى الله عز وجل، وتكون سبباً من أسباب الهداية، أما إذا لم يحتج إليك ولم تحتج إليه فهو نظير لك.
والعجيب أنه وجد جلساء سيئون يسهرون الليالي، ويحبكون المؤامرات والمداخل، وينصبون الشباك لشباب الإسلام، فأين دعاة الإسلام؟ وأين طلبة العلم؟ وأين العلماء؟
أتصدق أن ملحداً يسهر الليل ويصنف المذكرات، وينظم الأمسيات والمحاضرات والندوات والتمثيليات، في كثير من المجتمعات ليضل عباد الله؟!
فأين جهود الأخيار الأبرار الذين يريدون الله والدار الآخرة؟!