إن عمر الإنسان يحاسب عليه منذ عصر التكليف، وفي صحيح البخاري عنه عليه الصلاة والسلام قال:{نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ} لكن الغبن الآن عند الناس ليس في المال، فلو بحثت في شوارعهم ما وجدت ريالاً مرمياً، وأتحداك أن تمر الليلة لتجد ريالاً على رصيف أو عند باب بقالة أو نافذة، فالناس أحرص على المال من الدماء، لكن تعال إلى الأوقات، نتكلم في أربع ساعات من صلاة العصر إلى صلاة المغرب أو العشاء كلها شذر مذر، كلها شرب شاي وكلام فيما لا ينفع.
ابن تيمية ألَّف كتاب التدمرية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، لوى رجله وليس عنده مراجع، بل مراجعه في رأسه:{دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء وترعى الشجر} ثم سل قلمه.
وهل تظن أنه مثل تأليف بعض الناس؟! بل تأليف وعلم، فـ التدمرية قواعد، كتبها إلى صلاة العصر، ودرسناها في كلية أصول الدين، ورسب فيها ثلثَي الطلاب، فهذا وقت السلف الصالح.
وابن عقيل كان يأكل الكعك ولا يأكل الخبز، قالوا:"مالك؟ " قال: "حسبت ما بين المسافتين وجدت ما بين أكل الكعك وأكل الخبز قراءة خمسين آية، لكن بعض الناس في هذه المسافة يردد ثلاث أغانٍِ من حفظه، أطفالنا في السابعة يحفظون عشرين أغنية ويعرف المغني وأغنيته، ويعرف الدبلجة في الغناء والفن والموسيقى وهذه الأمور، ولكنا سوف نعود -إن شاء الله- يوم أن نعرف مستقبلنا مع الله، وسوف ننتهي من هذا الدجل والخرافة.
فالشيوعيون الآن يعودون إلى الله، فكيف بالمسلم الذي نشأ في البلاد الإسلامية، وشرب ماء الإسلام.
وأقصد بهذا أن فرصة رمضان لا تتكرر أبداً، وعند الترمذي بسند حسن قوله صلى الله عليه وسلم:{اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك} فالشباب فرصة لا تتعوض، فتجد الشاب يلهو ويلعب ويشرد عن الله، فإذا أصبح في المستشفى ذكر الله، تكسرت ظهور بعض الشباب في حوادث، ودخلت مع بعض الإخوة إليهم ووجدناهم قد عادوا إلى الله، لكن متى؟ لو عادوا وقت الصحة لكان ذلك أفضل، فقد أصبحوا يصلون وهم مكتفو الأيدي، وهم على ظهورهم، فلو صلوا وهم قيام لكان أحسن، ويبكون على تلك الساعات الغالية، التي صرفت في اللهو والعبث، فأحفاد سلمان ومعاذ وطارق وصلاح الدين أصبحوا في الملاهي.
هل كان في معجم المسلمين ملاهي من صلاة العشاء إلى السحر؟ فأي أمة تقدم؟ وماذا يراد من هذه الأمة أن تفعل مع التاريخ؟
قال:{وغناك قبل فقرك} الأموال الطائلة التي تذهب في البنوك الربوية، في المعصية والفاحشة والرحلات الأجنبية التي تخزي أصحابها، فيصرف هذا المال إلى الخير.
{وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك}.
وأقول: إن رمضان فرصة لا تتكرر، فابدأ برمضان لتجعله موسماً للعبادة، علَّ الله أن يتقبل منا ومنكم.