وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، إذا ركب الدابة، وهذا أمر من الله في كتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقاس على الدابة ما في حكمها من سيارة ومركب وسفينة وطائرة، أن إذا ركبها المسلم أن يقول:{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:١٣] فالذي سخره هو الحي القيوم، ولولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما سُخر لنا شيء، فإنه الذي سخر وقاد وسهل ويسر، فإذا تمثل العبد هذه النعمة، فليقل:{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:١٣].
قال ربيعة -كما في سنن الترمذي -: {كنت مع علي بن أبي طالب أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه وهو في الكوفة، فأراد أن يسافر، قال: فركب دابته، فلما ركبها، قال: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقال له ربيعة: مالك يا أمير المؤمنين تضحك؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب دابته كما ركبتها الآن، ثم ضحك، فقلت: مالك يا رسول الله؟! -وفي لفظ الترمذي - رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب دابته، ثم قال: اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، قلت: ما أضحكك يا رسول الله أضحك الله سنك؟! قال: يضحك ربك إذا قال العبد: اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يقول الله لملائكته: انظروا لعبدي علم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا، صدق عبدي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنا} فكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله ثلاثاً، ويكبر ثلاثاً، ويسبح ثلاثاً، ثم يستغفر الله ويتوب إليه.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا انطلق في السفر، قال:{اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل} وزاد بعضهم: الولد لكن الرواية الصحيحة الأهل.
فهذا الدعاء يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليه، ويستحفظ الله عز وجل في أهله بعده، ثم يسأل الله عز وجل تسهيل السفر، وطي الأرض؛ لأن الأرض تطوى للصالحين، وهذه من كرامات الصالحين.
ومن تيسير الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقطع المسافات الطويلة في وقت قصير، وكلما كثُر صلاح الرجل، واستغفاره، وذكره لله، سهل الله عليه السفر، فلم يأته من وعثاء السفر شيء، أو ما يشغله في سفره، وأعاده الله سليماً معافىً.
ومن السنة والحكمة والمصلحة أن يكثر الإنسان من الذكر، خاصة آية الكرسي والمعوذات وقل هو الله أحد، إذا ركب دابته، ويتعوذ؛ ليحفظ الله عز وجل عليه كيانه، وإيمانه، ودينه؛ لأنه لا يدري بالمتالف ولا بالحوادث، والدعاء يرد القضاء بإذن الله، وإنما تلف من تلف في الحوادث؛ لأنهم ما ذكروا الله وما استعصموا بالله عز وجل، فلوا أنهم دعوا الله وتعوذوا به؛ لأعاذهم الله عز وجل، ولكن إذا وقع القضاء والقدر لطف الله بسبب الدعاء.