الفائدة العشرون: طلب الصدق ثوابه الصدق من الله عز وجل، قال تعالى:{فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}[محمد:٢١] فإن عمر رضي الله عنه سأل الله الشهادة بصدق فبلغه الله الشهادة، وأعطاه ما تمنى، وسأل الله عز وجل عند الجمرات أن يرزقه الشهادة، فرزقه الله الشهادة.
ولذلك في صحيح مسلم:{من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه} فإنه سأل الله الشهادة فرزقه الله عز وجل الشهادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول أنس: ظننت أن القيامة قامت يوم قتل عمر، قتل في الركعة الأولى وأكمل ابن عوف الصلاة بالمسلمين رضي الله عنهم جميعاً وحمل، فيقول بعض الناس: لا ضير عليه، ليس عليه بأس، فلما وضع في بيته، قال: إيتوني بلبن، يريد عمر رضي الله عنه أن يختبر جرحه، لأنه طعن بخنجر ثلاث مرات، والخنجر له حدان أي ست طعنات، فلما شرب اللبن، خرج اللبن من الجرح، فقال: الله المستعان -يعني أنه مقتول- قال: من قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة المجوسي، قال: الحمد لله الذي جعل شهادتي على يد رجل ما سجد لله سجدة، ثم قال: ضعوا خدي على التراب، فوضعوه على التراب، وأراد ابنه عبد الله أن يرفع رأسه بمخدة فقال: ضع خدي على التراب لا أم لك! عل الله أن يرحمني، ثم سأل الله عز وجل وقال: اللهم إني أصبحت منقطعاً عن الدنيا مقبلاً عليك اللهم فارحمني.
ثم دخل عليه الصحابة، قال ابن عباس: وكنت أقرب الناس إليه، قال: وبينما أنا واقف عند رأسه، وإذا هو ينصت طويلاً رضي الله عنه وأرضاه، ويكفكف دموعه، يتذكر أعماله وقدومه على الله عز وجل، قال: فإذا برجل قد قرب منا فوضع يده على كتفي فالتفت، فإذا هو علي بن أبي طالب، قال: فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! فالتفت إليه عمر وقال: لا تقل: يا أمير المؤمنين! فإني لست اليوم للمؤمنين بأمير، قال: السلام عليك يا أبا حفص! أمَّا بَعْد: {فوالله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر فأرجو الله أن يجعلك مع صاحبيك} قال: ابن عباس: فقلت أنا: يا أمير المؤمنين! هنيئاً لك وطوبى لك، أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت فكانت ولايتك رحمة، فسالت عيناه من الدموع ثم قال:[[يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]] ثم استدعى ابنه عبد الله وقال: لا تتول أمر هذه الأمة، يكفي من آل عمر رجل واحد يعذب، ثم أسلم روحه إلى الحي القيوم، فنسأل الله أن يجمعنا به وبكل صادق يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار، نسأل الله أن يقر أعيننا برؤيته تبارك وتعالى وبرؤية رسوله صلى الله عليه وسلم، اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا.