ومن مواصفات الداعية أن يعيش واقع الناس، ويقرأ حياتهم، ويتعرف على أخبارهم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام:٥٥] ومن حكمة الله تعالى إحياء رسوله أربعين سنة في مكة، فعاش في شعاب مكة، وفي أودية مكة، عرف مساربها ومداخلها، عرف الأطروحات التي وقعت في مكة، وعرف بيوت أهل مكة، واعترض الكفار وقالوا: لولا نزل عليه ملك، وقالوا: لو كان هو ملك، والله عز وجل ذكر أنه لابد أن يكون بشراً يعيش آمال الناس وهمومهم ومشكلاتهم، واحتياجاتهم، فحقٌ على الداعية أن يقرأ واقعه، وأن يستفيد من مجتمعه، وأن يعرف ماذا يدور في البلد وماذا يقال؟ وما هي مصادر المعلومات، ومن أين تأتي؟ وما هي القضايا المطروحة؟ ويتعرف حتى على الباعة، وعلى أصناف التجار، وعلى الفلاحين، وعلى طبقات الناس، وعلى أن يلوح في طرحه على مجامع الناس، وفي الأسواق والمحلات، وفي الجامعات والأندية، حتى يكون صاحب خلفية قوية يتكلم من واقع يعرفه.
وجعل أهل العلم من لوازم الداعية إذا أتى إلى بلد أن يقرأ هذا البلد، وقد كان بعض العلماء إذا سافر إلى الخارج يأخذ مذكرات عن البلد، عن تاريخه، وجغرافيته، ودراسة علم النفس فيه، وأمزجة أهل البلد، وتربية البلد، حتى يتكلم على بصيرة.