ثم تؤمن بالله وملائكته تؤمن أن لله ملائكة سمى بعضهم ولم يسمِ بعضهم، فأهلاً وسهلاً بمن سمى، وأهلاً وسهلاً بمن لم يسم من الملائكة.
أنت جالس معي الآن ومعك ملكان عن اليمين وعن الشمال، ولك إذا قمت ملائكة أمامك وخلفك يحفظونك {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد:١١]{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨].
فلا إله إلا الله ما أشد جند الله! وما أعظم جلال الله! ذكر ابن القيم -وهذا من باب الاستطراد- في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أن رجلاً من الصالحين خرج ببغلته، عليها طعامه وشرابه وتجارته، فذهب مسافراً، وكان هذا الصالح يحفظ الله في الليل والنهار نهاره صيام وليله قيام، والله يحفظ من حفظه، فلما أصبح في الطريق عرض له لص فقال: أوصلني إلى تلك البقعة فصدقه فأركبه معه على بغلته، ولكن {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف:٦٤] فلما اختفيا في الغابة أخرج اللص خنجره وقال للرجل الصالح صاحب البغلة: والله لأقتلنك، قال: أسألك بالله الذي قامت به السماوات والأرض أن تتركني لأهلي، ورائي أطفال وأهل وأسرة، قال: والله لأقتلنك، قال: أسألك بالله أن تتركني فأتوضأ لأصلي ركعتين لتكون آخر عهدي من الدنيا، قال: استعجل، فتوضأ وقام واستقبل القبلة وأراد أن يصلي ركعتين ولكن كيف يصلي، سيف مشهور، وكفن منشور، وقبر محفور، يصلي والخنجر على أذنه، قال: فنسيت كل آية حتى الفاتحة ما ذكرت إلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل:٦٢]
قلت: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! قال: فوالله ما أتممت كلامي إلا وأنا بملك على فرس مقبل معه خنجر رمى هذا اللص فقتله، قلت: أسألك بالله من أنت؟ قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه، لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت الثانية كنت في السماء الرابعة، ولما دعوت الدعوة الثالثة كنت في هذه الأرض؛ لأقتل هذا المجرم {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}[المدثر:٣١].
الله كل يوم هو في شأن، ملك ينزل وملك يصعد، كتبة يكتبون الحسنات وكتبة للسيئات، مرابطون في صلاة العصر، ومتعقبون في صلاة الفجر، وصاعدون بالأعمال ونازلون بالأرزاق، هذا للقطر وهذا للمقادير وهذا للموت وهذا يكتب على النطفة (شقي أو سعيد) عمره كذا، أجله كذا، لونه كذا، صفته كذا، ملك ينفخ في الصور، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه:{أَطَّت السماء وحق لها أن تئط} أي: ثقل ما عليها كالرحل على المركوب على الجمل {أَطَّت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موطن أربع أصابع إلا وملك ساجد أو راكع}{يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ}[فصلت:٣٨] وفي آية {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء:٢٠].