[خوف أبي بكر الصديق]
ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد بسند جيد, أن أبا بكر الصديق -رحمه الله رحمة واسعة- أنفق أمواله, ووقته, ودمه, ويومه, ونهاره, وليله, وكل ما يملك من قليل وصغير للإسلام, حتى أتي بثوبه الذي يلبسه فكُفِّن فيه، ما وجد له كفناً من التركة وهو خليفة المسلمين.
يذكر عنه الإمام أحمد: أنه دخل هو وبعض الصحابة في مزرعة رجل من الأنصار في المدينة، فكان النخل يانعاً بالثمار, وقد تدلّت غصونه بالرطب وعليه الأطيار, فأما الصحابة فارتاحوا, وأما أبو بكر فجلس يبكي, فقالوا: ما لك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: [[طوبى لهذا الطائر يرد الشجر ويأكل منها، ويرد الماء ويشرب منه، ثم يموت لا حساب ولا عذاب، يا ليتني كنت طائراً! يا ليت أمي لم تلدني! فبكى الصحابة!!]].
فانظر إليه -رضي الله عنه وأرضاه- والرسول عليه الصلاة والسلام بشره بالجنة, وهو مع ذلك يخاف, وهو مع ذلك يحاسب نفسه, حتى يقول: والله لا آمن مكر الله، ولو كانت إحدى رجليّ في الجنة والأخرى خارجها!! لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون, والذي يأمن عقاب الله وعذابه، فقد أضله الله على علم, وقد طمس الله على بصيرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه من يأمن أخذه الله؟ ومن يعتقد أن أعماله مقبولة!
نعم.
صلينا آنفاً صلاة المغرب؛ لكن من يدري منا هل ارتفعت صلاته أم بقيت؟ هل قبلها الحي القيوم أم ردت عليه واضرب بها في وجهه؟
ولذلك يقول ابن القيم -رحمه الله-: رب مصليين اثنين وقفا في صف واحد كلٌ بجانب صاحبه ما بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض؛ لأن بعض الناس إذا قام للصلاة خاف لقاء الله وموعوده, وخاف العرض على الله, وتذكر أنه سوف يقف مثل هذا الوقوف يوم القيامة! فإن الناس يقفون يوم القيامة عند الله كما يقفون في صلاتهم, وقد صح في الحديث: {أن الله تبارك وتعالى إذا قام العبد وقف تجاهه في الصلاة, فإذا انصرف بقلبه انصرف الله عنه} فنعوذ بالله أن تنصرف قلوبنا في الصلاة فينصرف الله عنا, وكم تنصرف القلوب إلى الأسواق! والشهوات! والنزوات! والأغراض؟! وكم نعطي الله عز وجل من صلاتنا ونحن نقف بين يديه تبارك وتعالى؟
ولذلك كثير من الناس يتذكر المقام بين يديه تبارك وتعالى بمقامه في الدنيا, قال ابن الجوزي رحمه الله: المؤمن يتذكر بكل شيء ما يحدث له يوم القيامة, إذا أتى ينام وتلحف بلحافه تذكر القبر, وإذا رأى الخضروات والفواكه والنعم تذكر الجنة, وإذا رأى النار في الدنيا والمعذَّبين والمحبوسين تذكر جهنم -نعوذ بالله من جهنم- ولذلك لا يزال من فكرة في فكرة!