[تعليمهم العلم النافع]
ومن حقوق الأبناء على آبائهم: تعليمهم العلم النافع.
علم قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، العلم الذي أتى من فوق سبع سماوات، وليس العلم الرخيص الدخيل السخيف، الذي أتانا من أعداء البشرية قتلة الإنسان الذين:
قالوا هم البشر الأعلى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا
لكن المقصود هو العلم الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، وتعليم الجيل من أعظم الخصال الواجبة في الإسلام.
والإسلام لا يعترف بالجهل ولا بالدروشة، فلا نزهد أبناءنا في العلم، بحجة أنه مضن وأن طريقه طويل وشاق، فهذا من سوء الإرادة.
صحيح أنه إذا كان عند الابن أو البنت من العلم ما تقوم به شئون دينه ودنياه، فلا بأس أن يكون له مجال في الحياة، كأن يبذل سبله في الصناعة، أو في التجارة، أو في البذل والعطاء، أو في الزراعة، أو في أي ناحية من نواحي الحياة، فكلٌّ ميسر لما خلق له، لكن ليكن عنده علم تقوم به عبادته ومعاملته مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فلا بد من تعليمه العلم النافع، وغرس الفضيلة في قلبه، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يحرص على هذا، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما، وهو شاب في العاشرة من عمره، يدخل مع الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي بعد صلاة العشاء، فيقوم الرسول صلى الله عليه وسلم ليصلي في الليل، وابن عباس معه، فيحضر ماءً للرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من وضع لي هذا الماء؟ ثم يقول -ويعلم أنه ابن عباس -: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل}.
فكانت دعوة من أعظم الدعوات المباركة في حياة ابن عباس، فلم يدع له بالتمكين في الأرض، ولا بالطول في الجسم ولا بالعرض، وإنما دعا له أن يكون فقيهاً مفقهاً معلماً مفهماً، وأن يعلمه الله تأويل كتابه.
ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}.
والله قد قسَّم العلم في القرآن إلى قسمين: ضار ونافع، قال الله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة:١٠٢] ويقول الله عن أحد الذين تعلموا العلم، ولم ينفعهم، وهو بلعام بن باعوراء الحبر اليهودي: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].
والله يقول لبني إسرائيل، وقد حملوا علماً لكن ما استفادوا منه، وما كان له أثر في معتقدهم، وعبادتهم، وسلوكهم، يقول الله عنهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:١٣].
فالعلم النافع هو الذي يورث خشية الله في القلب، والعلم النافع هو الذي ينشئ طفلاً يحب المسجد، ويحب القرآن والعلم، والعلم النافع هو الذي ينشئ الشاب عابداً لله، يتقي الله ويخاف الله ويريد ما عند الله قال الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].
وفرق بين علم وعلم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:٥٦] فتحفَّظت الآية بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى (الإيمان) من علم لا ينفع، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: {اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع}.
لأنه ليس كل علم نافعاً، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يربي الناس على العلم النافع، الذي يريده الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.