للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هل البكاء ينافي الصبر؟]

السؤال

إذا حصل للمؤمن مصيبة كموت عزيز ونحوه، ثم بكى فهل هذا البكاء وخصوصاً عند النساء ينافي الصبر، أرجو توضيح ذلك؟

الجواب

البكاء قسمان: بكاء بلا عويل، ولا نياحة، ولا تَسَخُّط ولا أيِّ من أمور الجاهلية، فهذا لا بأس به، فقد فعله صلى الله عليه وسلم، وبكاء تصاحبه نياحة وتسخط، وتذمر، وكلام، فهذا هو المنهي عنه، وهو الذي توعد صلى الله عليه وسلم صاحبه فقال: {النائحة إذا لم تتب أوقفت يوم القيامة وعليها درع من جرب، وصب عليها القطران، أو إزار من قطران} وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الحالقة والصالقة والشاقة} إذا علم ذلك فهذا الأمر مذموم.

أما البكاء المجرد عن ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم بكى، وهو وأرض الناس بحكم الله، وقال: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون} وعليه فالبكاء ودمع العين من الرقة، والرسول عليه الصلاة والسلام بكى في مواضع كثيرة، أكثر من عشرة مواضع، بكى يوم أغمي على سعد بن عبادة، وهذا في الصحيح، قال: {مات أخي؟ قالوا: لا، فبكى صلى الله عليه وسلم} وبكى لما حضر جنازة ابنته زينب، وقال: {لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً}.

وبكى صلى الله عليه وسلم لما مات سعد بن معاذ، وبكى عليه الصلاة والسلام ودمعت عيناه لما مات إبراهيم في مواطن يطول تعدادها.

وقد ذكر ابن تيمية في فتاويه، ونقل عن الفضيل بن عياض أنه مات ابنه علي فضحك، يعني من كثرة الصبر والرضا فـ ابن تيمية ذاك الذكي الأريب، يعالج المسألة، ويقول: حال رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل، لأنه لما توفي ابنه بكى، والفضيل ضحك، فاجتمع للرسول صلى الله عليه وسلم واردان، وارد الرضا، ووارد الرحمة، فاستطاع صلى الله عليه وسلم أن يرضى بحكم الله، فقال: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا} هذا الرضا، وجانب الرحمة تدمع العين، فجمع بين الرحمة وبين الرضا، وأما الفضيل بن عياض فما استطاع أن يجمع بينهما، مع الرضا الرحمة فضحك، فحال رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل، وحال من بكى في المصائب بلا تسخط، ولا هلع، ولا جزع، ولا تذمر، أكبر من حال من جفت عيناه، وقسي قلبه، لأن الناس ثلاثة في هذا الباب:

رجل لا يبكي ولا يتأثر عند المصائب أبداً، وهذا مذموم، ورجل يهلع ويتذمر وينوح ويشتم ويسب، إما رجل وإما امرأة، وهذا مذموم، والمتوسط وهو الخير، الذي تدمع عيناه، ويحزن قلبه، ويرضى بحكم الله ويسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>