[خلاف العلماء في كيفية دخول إبليس إلى الجنة]
و
السؤال
كيف دخل معه إبليس الجنة؟
اتفقنا أنهم كانوا في السماء وخلق الله آدم في السماء، ثم أسجد له الملائكة ورفض إبليس, والآن جعل الله عز وجل آدم وحواء في الجنة, وإبليس في منأى, فلما حذرهم الله من الشجرة أتى إبليس يوسوس فأين وسوس؟
لأهل العلم ثلاثة آراء:
الأول: قالوا: دخل مطروداً محروماً، لكنه دخل يوسوس ولا تنعم, مطرود من رحمة الله لكن جعله الله يذهب، لأنه سأل أن يمهله ليحتنكن ذريته إلا قليلاً وينظره إلى يوم الدين فأنظره الله، فهو يدخل بلا حجاب ويدخل بلا حرس ويدخل عليك وأنت في السيارة والطائرة وهو معك يجري منك مجرى الدم.
الثاني: قالوا: أخذته الحية، حية سارقة مارقة ابتلعت إبليس ثم دخلت الجنة.
والثالث: قالوا: وسوس من بعيد لكن بواسطة الرادار والذبذبات الهوائية ووصلت الوسوسة.
والذي يرجح هو الرأي الأول أنه دخل مطروداً محروماً لكن أتى يوسوس.
ثم انظر إلى الخبيث قال: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:٢٠] فصدقه آدم, والآن: الإنسان يصدق إبليس ولو كان مؤمناً، فهو يأتيك.
فيقول: جارك لم يتكلم عليك بتلك الكلمة إلا لقصد في نفسه، قال: ما هو مقصده؟ قال: امتهانك واحتقارك وازدراؤك قال: صدقت ويذهب بسيفه وخنجره ويقاتل جاره.
وإذا غض شخص طرفه في السوق قال: أنت ما نظرت إلى السحر الحلال، ولو نظرت إلى الجمال نظرة واحدة حتى ترد نفسك بنظرة واحدة، فينظر النظرة فيكون هلاكه فيها.
والغناء: يسمع الأغنية الماجنة ويقول: الغناء حلال, والعلماء الذين قالوا بتحريمه ليس لهم دليل ثابت، اسمع وتمتع قليلاً وأنت ما ارتكبت شيئاً، هل هو شرب خمر أو زنا؟! استمعت أغنية، ويسمع الذي يقول: "هل رأى الحب سكارى مثلنا" فيسكر ثم يزني ثم يرتكب الفواحش ثم يتدهده على وجهه في النار.
فوسوس له، فآدم عليه السلام من حكمة الله -وكل شيء بقضاء وقدر- استمع لإبليس فأكل من الشجرة وأكلت حواء، فلما أكلا سقط اللباس الذي يواري عوراتهما, وهو عليهما من لباس الجنة وحسنها وحليها وبهائها, تناثرت في الأرض، لا إله إلا الله ما أزراه من موقف! هذا موقف المسكنة والذنب والخطيئة.
يقولون: يوسف عليه السلام لما هم بالمرأة وهمت به سمع هاتفاً يهتف ويقول: يا يوسف! لا تزن فإن من زنى كالطائر الذي عليه ريش نتف ريشه، وهذه مغبة المعصية.
انظر! كيف سلب الحياء والجمال والحلي وكل نعمة، وأصبح في موقف هو وحواء عراة، فأخذا من أوراق الشجر، عليهما السلام يخفيان عوراتهما من الناظرين إن كانوا ملائكة أو غيرهم، فأتاهما الخطاب مباشرة: {اهْبِطَا} [طه:١٢٣].
العصاة لا يجاورون الواحد الأحد، وهذه أعظم أمنية منينا بها, يقول ابن القيم:
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
يقول: نحن سبينا من الجنة, سبانا إبليس وأنزلنا في الأرض, فمتى نعود إلى أوطاننا؟! نحن أهل الأوطان والأنهار والقصور:
يا راقداً يرنو بعيني راقد ومشاهداً للأمر غير مشاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي نزل النعيم وفوز خلد واحد
ونسيت أن الله أهبط آدماً من جنة المأوى بذنبٍ واحد
فكيف بنا نحن الذين أتينا بعشرات الذنوب؟!
قال: {اهْبِطَا} [طه:١٢٣] هذه الكلمة مأساة في تاريخ البشر، وهو الذي ارتكبها عليه السلام، وهي من قضاء الله وقدره فله الحمد أولاً وآخراً، وله الشكر ظاهراً وباطناً، ونسأله أن يعيدنا إلى تلك المنازل فإننا قد اشتقنا لها.
فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
وانظر إلى الهبوط من العلو فأين وقعا؟ وقعا في أرض يابسة قاحلة, قال أهل العلم "عن ابن عباس: أما آدم فهبط في الهند وبيده غصن شجرة -وهذا خلق الله وإبداع الله في الكون، والله لن يتعرف الإنسان على الإنسان ولا على الكون ولا على آدم ولا على الحياة حتى يتعرف على هذا القرآن وهذا مذهل- هبط وبيده شجرة بـ الهند، وهبطت حواء بـ جدة بالفتح أو بالضم أو بالكسر.
سلام الله أرفعه إليكم بأشواقي وحبي والمودة
وأرفع من ربى أبها سلاماً لأهل الفضل من سكان جدة
قال السدي: هبط آدم على الصفا، وهبطت حواء على المروة، ولا يهمنا سواء هنا أو هنا.
فالمقصود: أن الله أهبطهما إلى الأرض.
أما آدم فأهبط بغصن شجرة فنزل هذا الغصن، فنبت بـ الهند فقالوا: "كل بخور وكل طيب يأتي فهو من آثار ذاك العود":
تضوع مسكاً بطن نعمان إن مشت به زينب في نسوة عطرات
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرّت في جوانبه بردا
فهذا من آثار عود (قطعة عود) كل الآثار التي ترد في العالم تغيرت بالماء والطين، فبقيت هذه الأطياب التي تباع في العالم من ذاك الغصن الصغير، فكيف بأطياب الجنة.
والآن يباع الرطل في بعض الأماكن النوع الغالي منه بسبعين وبثمانين ألفاً، وربما يزيد زيادات, وهناك طيب لا يستطيع شراءه إلا الملوك، وأما الطيب الذي يباع هنا بستين وثلاثين وعشرين، فهذا حطب عرعر وطلح، وهذا يمكن أن يكون من السودة والقرعى، ليس من الطيب المذكور المشهور، لكن ذاك على الرائحة والبركة والعافية.