[التعليم بالقدوة الحسنة]
كان عليه الصلاة والسلام في التعليم ينهج طرقاً شتى, منها: التعليم بالقدوة في نفسه, ووالله ما قال كلمة إلا عمل بها, ووالله ما دعا الناس إلى خير إلا كان أسبقهم إليه, كان يتأثر بما يقول, يدعو إلى الصدق وهو صادق, يدعو إلى الصلاة وهو مصلِّ, يدعو إلى الخشية وهو يخشى الله.
أما الذي يدعو وهو كاذب فلن يجعل الله في دعوته خيراً, ولن يكون لها تأثيرٌ, يدعو بعض الناس -ونعوذ بالله أن نكون منهم- إلى بر الوالدين وهو يعق والديه, ويدعو إلى صلة الرحم وهو قاطع لرحمه, فلا يجعل الله لكلامه نوراً ولا لدعوته تأثيراً, قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:٤٤] أي: أما تستحون؟! تتكلمون كلاماً جميلا ًوتحاضرون وتؤسسون وتؤلفون، ولكن الأفعال تكذب الأقوال! أين الحياء من الله؟! خيبة لمن يفعل ذلك إن لم يتب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه.
فكان عليه الصلاة والسلام يربي بالقدوة، يراه أول من يفد عليه ساعة من الزمن فيهتدي بمرآه, لأنه يراه صادقاً أميناً مخلصاً، محباً للخير، قائداً إلى البر والتعاطف.
وكان عليه الصلاة والسلام يربي بالتطبيق, فهل يعي الأساتذة هذا المبدأ؟ كان إذا أراد أن يعلم الناس الصلاة قام فصلى أمامهم.
إن كثرة الحصص النظرية والمحاضرات بلا تطبيق معناه: إدخال المعلومات في الأذهان وخروجها من الآذان.
جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال: {يا أيها الناس صلوا كما رأيتموني أصلي} ثم قام فصلى لهم, فأراهم كيف يركعون ويسجدون، وكيف يخشعون ويسبحون.
فهل فكر أحد من الأساتذة بدلاً من أن يكتب كثيراً على السبورة معلومات لا تنفع أطفال المسلمين، أن يريهم الوضوء أو الصلاة, أو أن يريهم كيف يسبحون الله عز وجل, أو أن يريهم هيئة صلاة الكسوف والاستسقاء وصلاة الخوف؟! ليكون علم التطبيق نافعاً محفوظاً مجدياً.
وكان عليه الصلاة والسلام يضرب الأمثال المذهلة التي تبقى في النفوس فلا تزول, أراد أن يصف لهم فضل الصلوات الخمس, فماذا عسى أن يقول؟
في الجزيرة العربية القاحلة قال: {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل كل يوم منه خمس مرات, أيبقى من درنه شيء؟ -وتوقف الصحابة عند هذا المثال في الصحراء التي تلتهب، وتصوروا النهر وهو يمر أبوابهم وكأن الماء البارد يتدفق على رءوسهم- فقالوا: لا يا رسول الله! قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا}.
وورد مع الصحابة في السوق فرأى جدياً أسك ميتاً -ليس له أذان، ومع ذلك ميت- فرفعه بيده الشريفة وقال لأصحابه: {من يشتري هذا بدرهم؟ قالوا: والله لو كان حياً ما يستحق درهماً لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟! قال: أفرأيتم هوانه على أهله؟ قالوا: من هوانه رموه في السكك قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا على أهله} هذا هو التعليم ووضوح المنهج.