[المسجد كان جامعة علمية كبيرة]
الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرنا بفعله ما هي مهمة المسجد في الإسلام
أولاً: إنه جامعة علمية، بعث عليه الصلاة والسلام معلماً، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الحديث} ويقول له سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:١١٤]
إذاً هو المعلم، والله يقول له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد:١٩]
في السنن: {يدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فيجد حلقتين، حلقة يدعون الله ويسألونه ويتضرعون إليه، وحلقة أخرى يطلبون العلم ويسألون، قال عليه الصلاة والسلام: هؤلاء العباد، يدعون الله إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون العلم وإنما بعثت معلماً، ثم جلس معهم عليه الصلاة والسلام}.
إذاً: دعوته هي العلم، ورسالته تنبني عليه، لكن بالإيمان كما قال الله: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ} [الروم:٥٦] فعلم بلا إيمان، يسمى علمنة لا دينية، وهي مذهب ضال رعديد، وأنتم تعرفون دور العلمنة في فصل الناس عن الدين وعن المسجد، والمصحف، والتسبيح، والكعبة وزمزم، وذلك يوم تصورت أن الدين يحارب العلم كما وجدته في الكنيسة، وهذا خطأ.
العلم بلا إيمان كفر بالله، وأول من أدخله في المشرق مصطفى كمال أتاتورك عليه غضب الله، وتبعه صنف من الناس كثير ساروا على منهجه في فصل المسجد عن الأمة وقالوا: ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وليس للمسجد دخل في شئون الناس، ولا تتحدث عن شئون الناس في المسجد، وتحدث عن التيمم والحيض، والغسل من الجنابة، والسواك، لكن لا تتحدث عن الاقتصاد، ولا عن الشباب، ولا عن مشاكل العالم، ولا عن المال، ولا عن الاجتماع في المسجد، وهذا خطأ كبير، وسوف يكون لنا تعريج على ذلك.
والرسول صلى الله عليه وسلم، أكثر حلقاته وتعليمه في المسجد: {جلس -كما في صحيح البخاري - وكان أبيض أمهق مرتفق} الأبيض الأمهق: الموسوم بحمرة، والمرتفق: المتكئ -فدخل ضمام بن ثعلبة - أخو بني سعد بن بكر من الطائف -على ناقة فعقلها في باب المسجد، وتخطى الصفوف، قال: أين ابن عبد المطلب؟ -يقصد رسول الهدى عليه الصلاة والسلام- فقال له الناس: ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: يابن عبد المطلب! هو ابن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وجده عبد المطلب، لكن جده كان عند العرب أشهر من أبيه، حتى يقول في المعارك:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك -وظن أن السؤال فرعي أو جزئي، لكنه سؤال مطلق وعام- قال: يا رسول الله! قال: نعم.
قال: من خلق السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ فتربع وقال: اللهم نعم.
قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم.
فأكمل أركان الإسلام، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة: أخو بني سعد بن بكر، ثم تولى وركب ناقته، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا.
إسلام بسيط سهل، وقد تعرض سيد قطب لهذا الحديث وشرحه شرحاً وافياً، وقال: إن هذا الإسلام هو الذي ناسب العالم، ولذلك فهذا الدين يكتسح العالم، وهو الفجر الجديد، ولكنه لا ينطلق إلا من المسجد كما انطلق في أول يوم.