للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مضايقة الأهل وصعوبة دعوتهم]

السؤال

من المشاكل التي تواجه الشباب: قضية علاقة المرء مع أهله، فبعض الشباب يشتكون من مضايقة أهليهم وإخوانهم الكبار، وبعضهم يريد أن يدعو أهله إلى الصلاح، وإلى فعل الطاعات وترك المعاصي، ولكنه يجد في ذلك صعوبة، فما حل هاتين المشكلتين؟

الجواب

أزمة الاختلاف في البيوت موجودة ومشهورة، وقد يكون السبب أن كثيراً من الشباب حينما يهتدون يتحمسون للدين والالتزام فيبدءون مع أهليهم بحدة وعنف، فيريدون أن يطبقوا الإسلام في ساعة واحدة من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، ربما أصول الإسلام ما استقرت في أذهان أهله كالصلاة، كأمور الحجاب، كأمور التطلع والاختلاط بالأجانب، كأمور كبرى، فيبدأ هو إذا رأى أخاه يشرب باليسار أقام الدنيا وأقعدها في البيت، وصاح وناح، ويبدأ بإخوانه الكبار في إسبال الإزار، وفي اللفتات والوضوء، ويقول: عليكم أن تبدءوا إذا دخلتم البيت بالدعاء، لأنه ثبت في سنن أبي داود وصححه الألباني، وبدأ بالتصحيح والتضعيف، والتعديل والتجريح، فأقام الدنيا وأقعدها في البيت، وهذا ليس بأسلوب.

أولاً: هم ربما كانوا في غربة ووحشة عن الإسلام الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانثاً: أن التدرج سنة من سنن الله في الحياة حتى في الخلق، فإنه سبحانه تدرج في خلقه، والله عز وجل يستطيع أن يقول للشيء: كن فيكون، لكن تدرج سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في خلق هذا الخلق.

ولما بعث الله الأنبياء نبههم إلى هذا، فقال لموسى وهارون أن يقولا لفرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤] وقال عليه الصلاة والسلام لـ معاذ لما بعثه إلى اليمن: {فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله} هل يصح إذا كان إخوانك لا يصلون، أو يتركون الصلاة أن تبدأ معهم بالدعوة، فتقول: ارفع الإزار؟ لماذا لا تربي لحيتك؟

يربي لحيته وهو لا يصلي!! أو يرفع إزاره وهو لا يصلي!! والقضايا قضية قضية، فيبدأ في قضية الصلاة، حتى ينتهى منها، ثم القضية الأخرى وهكذا.

يقول سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن: إن هذه الدعوة كشجرة الصنوبر، تعيش نبتة نبتة، ثم تبدو من على الأرض، ثم يصلب عودها، وقد ذكر الله هذا فقال: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩] فانظر كيف بدأ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بتدرج الدعوة، أو وصف الإيمان في نفوس الصحابة بهذا الأمر؟!

فعليك أن تكون طويل النفس، وأن تكون صابراً.

ومن الناحية الأخرى فإن كثيراً من الشباب يوم كان سيئاً كان حسن الخلق، فلما اهتدى قطب جبهته وجبينه، ودخل مغضباً، وخرج مغضباً، ودائماً يردد: إنا لله وإنا إليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل سلط الله عليكم اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم وحط بهم وزلزهم يا رب العالمين، وهذه ربما تقع، أو شبه هذه، وهذا ليس بأسلوب.

يقول الطفيل بن عمرو الدوسي: {يا رسول الله! طغت دوس فادع الله عليهم، فرفع يديه، فقلت: هلكت دوس؟ قال: اللهم اهد دوساً، اللهم اهد دوساً}.

فالواجب أن يدخل العبد ويقول: اللهم اهد أهلي، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، هداك الله يا أخي، أما الكلام النابي المجحف، وتقطيب الجبين، والحرارة الزائدة؛ فإنها تنفر الناس وتبغض، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨] وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:١٩٩] وقال: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤].

<<  <  ج:
ص:  >  >>