للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مناظرة نبوية]

أيها الإخوة! أقف معكم في مناظرة مشهورة بين موسى عليه السلام وآدم عليه السلام، وهي في الصحيحين , والذي يرويها لنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: {التقى آدم وموسى عليهما السلام} أين التقيا؟ الظاهر في السماء، وهذا الظاهر من أقوال أهل السنة وفي المسألة اختلاف, وإلا فبينهم آلاف السنوات؛ فموسى متأخر في التاريخ عن آدم, فالتقى الابن وأباه، موسى وآدم, وموسى جريء كثير الأسئلة, فإن فيه جرأةً وشجاعةً ولم يصلح لليهود إلا هو, رجل قوي أمين, إذا غاب عنهم عبدوا العجل, وإذا دخل سكتوا, إذا غاب افتروا عليه وكذبوه واغتابوه, وإذا دخل سكتوا.

وجريء يحب الاستطلاع, كلَّمه الله ولم يكلم أحداً من الناس، فلما كلمه الله وبلغه منزلة التكليم قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:١٤٣] فسكت الأنبياء إلا موسى, قال موسى عليه الصلاة والسلام: أنت آدم؟ قال: نعم -عند البخاري - قال: أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، لقد خيبتنا وأخرجتنا من الجنه -يقول: لماذا لم تجلس في الجنة وقد كنت مرتاحاً فيها، ولماذا نزلت بنا إلى الدنيا؟ لو بقيت في الجنة لكنا معك وما خرجنا، ولا تسافكنا الدماء أو أذنبنا، ولا اغتبنا وكذبنا، ولا غششنا- قال: وأنت موسى بن عمران؟

قال: نعم -هذا المدح قبل ثم العتاب- قال: أنت الذي كتب الله لك التوراة بيده وكلمك تكليماً؟

قال: نعم, قال: بكم وجدت أن الله كتب عليَّ الذنب؟

يعني أكل الشجرة بكم وجدته في التوراة؟

قال: بأربعين عاماً, قال: أفتلومني على شيء قد كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: {فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى} أي: غلبه.

وهو الصحيح, وبعضهم يجعل موسى قدرياً، وآدم جبرياً, وجلّ الاثنان وعظما عن هذا التمثيل الخاطئ الذي فعله المبتدعة، ولذلك ينطقون أحياناً: فحجّ آدمَ موسى ويجعلون آدم هوالمحجوج وموسى هو الذي حجه, وهو خطأ بل آدم الذي حجه بالقضاء والقدر.

والشاهد أن الخطايا هي التي أنزلته من الجنة، لكنا نلام على المثالب ونعذر في المصائب, وهذه قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة , فإنسان سقط ابنه من على السطح فتأتي تعزيه وتقول: ويلك من الله! كيف تتركه يسقط من فوق السطح ويموت!! هذا خطأ.

لكن إنسان يسرق وتقول له: لماذا تسرق؟ قال: قضاء وقدر, فهذا يكون خطأ أيضاً، فاستخدام القضاء والقدر هنا خطأ, وقد ورد أن عمر رضي الله عنه وأرضاه تقدم إليه سارق، فقال له عمر: لم سرقت؟ قال: بقضاء وقدر, قال عمر: إليّ بالسكين؟ فقطع عمر يده, قال: لم قطعت يدي؟ قال: بقضاء وقدر, ما دام أنك سرقت بالقضاء القدر فنحن نقطع يدك بالقضاء والقدر.

فنحن نلام على المعايب، ونعذر في المصائب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>