[شيخ الإسلام يتصدى للتتار في دمشق]
أوشكوا على دخول دمشق فتصدى لهم شيخ الإسلام ابن تيمية، فعندما أرادوا الدخول واجتياح دمشق قام في رمضان وشرب الماء أمام الناس، وهو صائم والناس صيام، وقال: لا صيام لكم والمعتدي الأجنبي قد دخل البلاد، فأفطروا جميعاً.
ثم وقف ابن تيمية وألقى خطبة من سمعها يظن أن القيامة قامت، وكان يقطع صوته بالبكاء، ويقول: والله لننتصرن، والله لننتصرن، والله لننتصرن، فيقول الصف المقدم: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً.
والتقوا في معركة شقحب، وسحق بقية التتار وفرَّ قائدهم ومن معه من زعمائهم.
وقبل ذلك وصلهم ابن تيمية يعظهم في مخيماتهم، فقال له قازان حفيد جنكيز خان: ادع لي، فيقول ابن تيمية وقد رفع يديه: اللهم إن كان في حياة هذا العبد خيرٌ لدينك فأحيه، وإن كان فيه شرٌ لدينك فأمته واسحقه واقطع دابره، فكان يقول: آمين، ولا يدري ما معنى الكلام، وفي الأخير هداه الله إلى الإسلام، ودخل كثير من التتار في الإسلام، وعاد الإسلام منصوراً.
والشاهد من القصة: أن التتار لما قدموا على بغداد أخذوا الكتب كل الكتب إلا ما شاء الله ووضعوها في النهر فجعلوها جسوراً تمر عليها الخيول المسلحة.
فيقول أهل التاريخ: الحمد لله ما فاتنا شيء من التفسير، ولا من الحديث، ولا من الفقه،، إنما فاتتنا كتب الخزعبلات، والتراهات، وكتب النفاق، والمنطق، وعلم الكلام التي أدخلها المأمون وأبناؤه وأضرابه التي جاءت بالشقاء والنكد على الأمة، وأبقى الله لنا من ضمن ما أبقى سنن الترمذي، وكذلك يرفع الله المخلصين بكتبهم وكلماتهم، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:١٧].
واليوم تؤلف المؤلفات الكثيرة طعناً في الإسلام، ويؤلف أهل الشعر من الحداثيين الذين ينهجون نهج الإلحاد قصائد لكنها سوف تموت؛ لأن الحق حيٌ وأما الباطل فيموت في كل يوم عشر مرات.
فالمقصود: أنه من ضمن هذا التراث سنن الترمذي؛ الذي تسمعونه دائماً على المنابر، وفي المحافل والإذاعات، وفي فصول الدراسة، حين يذكر حديث ويقال: رواه الترمذي؛ لأن الله علم إخلاص هذا الرجل فرفعه بكتابه.
الترمذي رجل بسيط ولكن عظَّمه الإسلام والتقوى والعلم، يقول عنه الذهبي: ثبت عن الترمذي أنه بكى حتى عميت عيناه، فكان أعمى في آخر حياته، يتلقى العلم، ويملي على تلاميذه، فأصبح من أحفظ الناس، تسمعه يورد الحديث بروعة فائقة ثم يقول: حديث حسن صحيح، أو حديث حسن، أو حديث صحيح, أو حديث غريب؛ وهذه مصطلحات تعرف من علم المصطلح.