للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كيفية حياة المسلمين في هذا الزمان]

والأمر الذي أريد أن أشير إليه رابعاً: كيف نعيش؟ وكيف نحيا مع هذا الوقت ومع هذا الزمن الذي يمر مر السحاب، الله عز وجل يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:١١٥ - ١١٦].

كيف نحيا؟ كيف نعيش؟ أحياة البهائم؟ أحياة أكل وشرب ونوم ورقص ولهو ولعب؟ لا.

إنه لا بد أن تُنظم أوقاتنا تنظيماً عجيباً دقيقاً، أمة هي من الدقة والنظام بمكان، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} فوالله الذي لا إله إلا هو: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: -من هذه الأربع- وعن عمره في فيما أبلاه} أنت لن تنصرف من الموقف يوم القيامة حتى يسألك الله: فيم صرفت هذه الأوقات؟

فيا إخوتي في الله! ماذا فعلنا في برنامجنا في القراءة في الاطلاع في الصلاة والذكر في التلاوة في الزيارة في الجلوس مع الأحبة، ماذا فعلنا في ذلك؟

إن الكاتب الأمريكي دايل كارنيجي في كتابه دع القلق وابدأ الحياة، يضحك على أهل الشرق؟ يضحك علينا نحن لأن الأمريكان من أكثر الناس قراءة.

أنا أقول هذا لأن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها، يضحكون علينا ويسموننا إلى الآن بدواً، لأن الذي لا يعتني بحياته ورسالته الخالدة ولا يعيش لله فهو يعيش على هامش الأحداث، والله يقول في الأعراب: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [التوبة:٩٧].

ومهمة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يخرج الإنسان من بداوته وجهله وتخلفه إلى أن يكون إنساناً منظماً، وإنساناً معتنياً بروحه ومستقبله، ولا يكون إنساناً عامياً عادياً، بل يكون له خصوصية، فلذلك يذكر أنهم يقرءون -الإنجليز والأمريكان- في كل أربع وعشرين ساعة، ست عشرة ساعة، فكم نقرأ نحن؟!

إني علمت أن كثيراً من الشباب إذا قرأ أحدهم ساعة في اليوم أو نصف ساعة تبجح، وقال أجهدت نفسي: {إن لنفسك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً} وهذا الحديث نستحضره دائماً.

ولكن كم ننام وكم نأكل وكم نشرب، وكم نذهب وكم نجيء؟!

أمة كأنها خلقت للنزهة وللتفسح، فإذا فتح أحدنا الكتاب، فقرأ وريقات صغيرة من أوله قال: اللهم انفعنا بما علمتنا، وهذا صحيح نسأل الله أن ينفعنا، لكن أين الجهد وأين القراءة والمثابرة؟ سبحان الله!

إن الخواجة يركب القطار أو الطائرة وكتابه في يده ولا ينزل إلا وقد ختم الكتاب، ونحن أمة خلقنا للجنة -نسأل الله لنا ولكم الجنة- أمة لا إله إلا الله، أمة ذبح أبطالها على نهر الجنج، واللوار، والسند، لرفع لا إله إلا الله، أمة يقول عقبة بن نافع: لما خاض البحر بقدميه والله الذي لا إله إلا هو لو علمت أن وراء البحر أرضاً لوطئتها ولو علمت أن وراء الأرض بحراً لركبت أو كما قال.

ويقول وهو في غابة أفريقيا: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى واحشرني مع هذه الوحوش.

ويقول أبو أيوب الأنصاري وقد وقف على شرفات القسطنطينية في بلاد الروم في تركيا يقول: [[اللهم أمتني في هذه البلاد حتى أبعث يوم القيامة بين قوم كفار، وأنا أقول وقد بعثت من قبري: لبيك اللهم لبيك]] فمات ودفن هناك.

أمة وقف علماؤها وعبادها في الجهاد في سبيل الله، يقول محمود بن سبكتكين أحد القواد المسلمين يوم دخل يفتح بلاد الهند بألف ألف مقاتل، أعطي رشوة ليرتد عن الفتح، أعطي ألف صنم من الذهب والفضة والمرجان، فلما دفعت له قال: ما هذه؟ قال ملك الهند: خذها ولا تفتح بلادنا، قال: سبحان الله! أتريد يوم القيامة أن آتي وأُدعى يوم القيامة، يا مشتر الأصنام! والله لا آخذها وإنما أكسرها، لأدعى يوم القيامة يا مكسر الأصنام! فأخذ الفأس وأخذ يكسرها ثم أحرقها، ثم دخل بلاد الهند، ولذلك الشاعر الباكستاني محمد إقبال يوم أن بكى على الأمة الإسلامية، وهي على مثل حالنا تقصيرنا، وقد جاء وهو يرجو أن يلقى في مكة والمدينة شباباً يقولون: لا إله إلا الله، ويعيشون للقرآن، فلما رأى الواقع بكى، وهو واقع -والله- يؤسف له، لكننا نأمل من الله أن يعيدنا إليه وأن يتوب علينا وعليكم، قال قصيدة تاجك مكة يعني مكة البلد الكبير يقول:

من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا

كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا

بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا

لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا

كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفار

لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

<<  <  ج:
ص:  >  >>