للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قيدوا النعم بالشكر]

إخوتي في الله: نعم الله لا تقيد إلا بالشكر يقول الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧].

البرامكة أسرة عاشت في عصر العباسيين وزراء، وكانوا يُطْلون قصورهم بماء الذهب، لكن هل أرضوا الله؟ ما عدلوا ولا خافوا الله، وكان كأس الخمر والفتيات والغانيات في قصورهم، وتر ونغم في قصورهم، فحذرهم أحد العلماء وقال لهم: انتبهوا إن النعم لا تقيد إلا بالشكر.

إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم

وحافظ عليها بتقوى الإله فإن الإله سريع النقم

قال: قيدوها بالشكر، لكن لم يفعلوا، وفي لحظة من اللحظات أغضب الله عليهم أقرب الناس إليهم هارون الرشيد فاجتاحهم بالسيف، قتل شبابهم ضحى، وأخذ شيوخهم وقادهم وهم يتباكون إلى السجن، حبسهم حبساً عظيماً، وقد بكى خالد بن يحيى البرمكي في السجن سبع سنوات، وطالت أظفاره؛ وما وجد ما يقلم أظفاره بعد النعيم، وطال شاربه وما وجد مقصاً، وعميت عيناه، قال له أحد الناس وقد زاره في السجن: ما هذا البلاء يا خالد؟ قال: دعوة مظلوم سرت بليل، غفلنا عنها وما غفل الله عنها!

قيل لـ علي بن أبي طالب: ما بين التراب والعرش؟ قال: [[دعوة مستجابة]].

وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:١٤٥] قيل لأحد علماء السلف: ما هو الشكر؟ قال: شكر العين البكاء من خشية الله -لأن بعض الناس إذا سمع الموسيقى بكى؛ لكنه لا يبكى عند تلاوة القرآن وسماع الذكر! كان أبو بكر وعمر تبتل لحاهما بالدموع إذا سمعوا آيات الله تتلى- قال: شكر العين البكاء، وشكر القلب الحياء من الواحد الأحد؛ إذا استحى القلب من الله فقد سَعُد في الدنيا والآخرة، والحياء لا يأتي إلا بخير، يقول الشافعي: " والله الذي لا إله إلا هو لو علمت أن شرب الماء ينقص من مروءتي وحيائي ما شربته أمام الناس " قلنا: يا شافعي لله درك! والله لقد وجد من الجيل من تفسخ عن شريعة الله بلا حياء، وأدبر عن المسجد بلا حياء، وكفر بالله بلا حياء، وسبَّ الرسول بلا حياء، وهجر القرآن بلا حياء.

إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

الحياء جلباب وضعه الله على وجه العبد، يستحي العبد من الله إذا هم بمعصية فعينه تقول: انظر، والحياء يقول: لا تنظر، أذنه تقول: اسمع، والحياء يقول: لا تسمع، رجله تقول: امش، والحياء يقول له: لا تمش في معصية الله، قال الشافعي في نظم:

لسانك لا تذكر بها عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن

وعينك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعين

<<  <  ج:
ص:  >  >>