[حكم صرف الزكاة إلى الزوج]
ولما أمر صلى الله عليه وسلم بالصدقة في المصلى -والحديث في الصحيحين - كان من ضمن الجلوس زينب امرأة عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه وأرضاه، فقامت فدخلت بيتها بعد سماع الموعظة، فأخذت حليها وذهبها وفضتها وخرجت من البيت فلقيها ابن مسعود وقال: إلى أين؟ قالت: أتصدق به، قال: أنا وولدك أحق من تصدقت عليه، فقالت: لا.
حتى أسأل الرسول صلى الله عليه وسلم.
تقول أنا لن أصرف مالي فيك، وفي أولادك، يمكن أنك أردت إغرائي بهذا حتى تأخذ مالي، فلابد من فتوى، فقال: اذهبي أنت واسأليه، فذهبت رضي الله عنها وأرضاها، والرسول صلى الله عليه وسلم في البيت جالس وعند الباب حارسٌ هو بلال، فأتت متحجبة وقالت لـ بلال: أريد الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: من أنت؟ قالت: أنا زينب امرأة ابن مسعود وفيه دليلٌ على أنه لا بأس بمعرفة الأسماء في الإسلام، إذا كانت المرأة عاقلة، ومحتشمة، ورشيدة؛ فذهب بلال فقال: يا رسول الله! زينب تستأذن عليك -وفي المدينة ما يقارب سبع أو ثمان زيانب- قال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم: أي الزيانب؟ -فسر لنا من هي زينب هذه-:
تضوع مسكاً بطن نعمان إن مشت به زينبٌ في نسوة عطرات
تهادين ما بين المحصب من منى وأقبلن لا شعثاً ولا غبراتِ
قال: زينب امرأة ابن مسعود، قال: ماذا تريد؟ أدخلها.
وفي لفظٍ أنها سألت مباشرة، وفي لفظٍ عند مسلم أن بلالاً قام بنقل الفتيا من الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ومنها إلى الرسول، فدخلت فقالت: يا رسول الله! زعم ابن مسعود} وزعم هنا لمن لم يُتأكد من لفظه، وزعم للصدق، قال سيبويه: وزعم الخليل، يعني: وقال الخليل، يعني بصدق، ولكن استخدمت في القرآن بمعنى القول المموه الذي لا حقيقة له، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧].
وقال جرير للفرزدق يستهزئ به:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً
ومربع هذا رجلٌ آخر.
والفرزدق كان عدواً لـ جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطولِ سلامة يا مربع
يقول له: أنا أعرف الرجل فلا تخف منه، فإنه لن يذبحك أبداً، زعم الفرزدق أي: من قول مموه كذباً ودجلاً.
فتقول: {يا رسول الله! زعم ابن مسعود أنه هو وأولاده أحق من تصدقت بمالي عليهم، قال: صدق ابن مسعود} فعادت فسلمت حليها ومالها لزوجها الفقير، وفيه دليل على أن المرأة تدفع زكاتها لزوجها، وهو ما أفتى به أهل العلم حتى الزكاة المفروضة يجوز دفعها للزوج إذا كان فقيراً، وفيه دليلٌ على أنها تتصدق على زوجها قبل الآخرين، وتدفع مالها لزوجها فهو أحق الناس ببرها ومالها، وكرمها وجودها، هذه هي فتواه صلى الله عليه وسلم في مسألة الصدقة ومصارفها.