[التجارة الرابحة]
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الناس! متى كانت أمة محمد عليه الصلاة والسلام ضائعة؟! ومتى كانت لاهية؟! ومتى كانت اهتماماتها هوايات؟! ومتى كان ليلها ضياعاً ونهارها تفلتاً عن منهج الله؟! متى كنا نجعل الفن هواية؟! ونجعل الكرة مهمة؟! ونجعل الرسم مبدأ؟!
متى كان سقطة الناس نجوماً ونجومها مطاردين مبعدين؟!
كان ذلك يوم انطمست معالم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥].
أيها المؤمنون يا دولة الحق ويا عصبة الرسول محمد
بثكم ربكم شعاعاً من الفجر على رغم من طغى وتمرد
فاسمعوا قصة الوفاء بـ بدر صاغها من يريد إياك نعبد
جنة الله بشرت بكرام يقرع الباب بالتحية أحمد
يا معالم! يا فجر! يا تاريخ! ويا كل مسلم وموحد!
يا ولاة أمورنا إذا الكفر ألقى بتلابيبه وأرغى وأزبد
اقرءوا سيرة الرسول كنوز كل أنفاسه ودر وعسجد
عنوان هذه الخطبة: رجال من الجنة.
كان أجدادنا رجالاً يحبون الجنة فدخلوا الجنة، فلما خلف مَنْ بعدَهم تنكروا للجنة، فما أحبوا طريقها: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [صّ:١٦] فما باعوا أنفسهم لله وما شروا منه السلعة، وما قدموا أرواحهم.
خلق الله الجنة فقال: تكلمي، فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١] وخلق لها خلقاً، قال: أريد أن تدخلوا الجنة، قالوا: ما الثمن؟ قال: أرواحكم، قالوا: أين رجال البيع وسوق الشراء؟ قال: المعركة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فأنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:١١١] وأنزل الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٢٣] وأنزل الله: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:١٩٥].
المبادئ لا تقوم إلا على الرجال، والمبادئ لا تزرع إلا في الدماء، ولذلك كان معلمنا عليه الصلاة والسلام شجاعاً بما تعنيه كلمة الشجاعة من معنى، وجاء أصحابه شجعاناً، أبو بكر صديق، وعمر قتيل، وعثمان ذبيح، وعلي يضرج بدمائه، قتل من أصحابه صلى الله عليه وسلم (٨٠%).