تخلف بعض الناس عن ركبه عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك، فلامهم عليه الصلاة والسلام، وعاتبهم كثيراً، وما كان لهم أن يتخلفوا أبداً، بل قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ}[التوبة:١٢٠] وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ولا مسلمٍ ولا مسلمة أبداً أن يتخلف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا في الصلاة ولا في الزكاة، ولا في الصيام، ولا في السنة ولا في اتباع الظاهر والباطن؛ فإن فعل ذلك فقد خان الرسالة.
وقف عليه الصلاة والسلام بعاصمته المقدسة المدينة المنورة يعلن الحرب على الروم، ويخبر أنه سوف يرتحل إلى تبوك فمن شاء فليذهب معه، ليقطع هذه الجزيرة التي تصهرها الشمس في سبيل الله، والتعب في سبيله راحة، والظمأ في سبيله رواء، والجوع في سبيله شبع:
جزى الله الطريق إليك خيراً وإن كنا تعبنا في الطريق
فكم بالجهد بتنا قد نراعي نجوم الليل من أجل الصديق
وقف على المنبر فقال: من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ وهو الذي يضمن وغيره لا يضمن، وهو الصادق وغيره قد لا يصدق في هذه المواقف، وهو المتكلم عن الله بشرعه، على المنبر؟ فقال عثمان: أنا يا رسول الله! -الجيش بجماله وبأحلاسه وبدراهمه وبدنانيره- فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، الدموع الصادقة الحارة التي لا تعرف الكذب وقال: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، ثم نزل من المنبر عليه الصلاة والسلام، ومشى الجيش.