[خيركم من تعلم القرآن وعلمه]
أولاً: في مسألة: تدارس كتاب الله عزوجل، وأنه من أشرف الأمور، وفي صحيح البخاري: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}.
وكان الصحابة يجتمعون عند عمر أحياناً، فيقول عمر لـ أبا موسى: [[ذكرنا ربنا يا أبا موسى]] فيندفع أبا موسى يقرأ والصحابة عنده، ويبكي عمر والصحابة، وكان صوت أبي موسى جميلاً، يقول له صلى الله عليه وسلم: {لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود} لكن مجالس الذكر الآن واجتماع الناس على القرآن قلت كثيراً؛ بسبب المغريات العصرية، والفتن التي تشهدها الأمة والمسلسلات والأغنيات والتمثيليات والنزوات والشهوات حتى تجد الإنسان إذا سمع القرآن لا يخشع أبداً ولا يتأثر؛ بسبب ما رأى، إنسان يرى عشرين مسلسلاً أو ثلاثين مسلسلاً ثم يأتي يوم الجمعة يسمع سورة تقرأ عليه، أين تقع هذه السورة من العشرين مسلسلاً، ومن المائة أغنية، ومن عشرين مجلة خليعة، والمائة فيلم، وشريط جنس، أين تقع؟!
أرى ألف بانٍ لم يقوموا لهادمٍ فكيف ببانٍ خلفه ألف هادمِ
فإذا أتت الأمة، وأتت قلوبها، وصودمت بهذه المفاجئات؛ أصبح الذكر ميتاً أو ضعيفاً أو مريضاً فلا يكون له أثر.
وهنا ألفت عنياتكم إلى أن الأوزاعي ومالكاً ذهبا إلى بدعية أن يجلس الناس جميعاً بعد صلاة الفجر في المسجد فيتحلقون ويقرءون القرآن.
وهذا رأيهما، وقد نقل عنهما، وإنما أقول ذلك لطلبة العلم للفائدة.
وسئل الأوزاعي عن ذلك فذكر أن حسان بن عطية يقول: " أول من أحدثه هشام بن إسماعيل المخزومي في عهد عبد الملك بن مروان ولم يكن معروفاً عند السلف.
لكن الجمهور من العلماء ذهبوا إلى أن هذا مما يقرب من الله عزوجل، وأن هذا عمل صالح، وليس ببدعة؛ واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين عن أبي هريرة: {إن لله ملائكة يطوفون يلتمسون حلق الذكر، فإذا وجدوا حلقةً من حلق الذكر، جلسوا فيها إلى أن يصعدوا إلى الله ويسألهم} الحديث طويل، وهو في الصحيحين.
فهناك ملائكة يسيحون في الأرض يلتمسون حلق الذكر، فإذا وجدوا حلقة يذكر فيها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أو رسوله أو دينه جلسوا وحفوهم، فنسأل الله أن يجعلهم جلساءنا هذه الليلة.
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: {هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} روى هذا الحديث البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وابن حبان، وفي صحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن أبي سعيد الخدري قال: {معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله عز وجل، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن كنت مع نفر من الصحابة ونحن نذكر الله في المسجد فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله عز وجل ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن علينا بك، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك؟ قال: والذي نفسي بيده، لقد نزل عليَّ جبريل الآن فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم ملائكته}
ومعنى يباهي: يفاخر، أي يقول: يا ملائكتي! انظروا إلى هؤلاء جلسوا في مسجد كذا وكذا يذكرونني، ومجالس الذكر أرضى ما يرضي الله عز وجل؛ وهي التي يفر منها الشيطان، ويتعمق فيها الإيمان، ويتقوى بها هذا الدين، وهي من أعظم الأمور.