للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إن تنصروا الله ينصركم]

وهاهم الآن يكررون تلك الأفعال الشنيعة، لكن هناك كان يقابلهم رجال، قابلناهم بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام، بأطهر من خلق الله، وأشجع من برأ الله، وأعدل من أوجد الله، وواجهناهم بـ عمر، أعدل البرية في عهده، الذي هز الدنيا بقميصه المرقع، الذي قرقر بطنه على المنبر من الجوع عام الرمادة فقال: [[قرقر أو لا تقرقر والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]

أيا عمر الفاروق هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ

رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا

تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ

دخل بيت المقدس بثوبه الممزق، فقال له الصحابة: البس يا أمير المؤمنين؟ أين خدمك؟ أين حشمك؟ أين موكبك؟ فهز إصبعه، وقال: [[نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] واستلم المفاتيح.

تعود لنا المقدس إذا عدنا إلى رب المقدس، إلى من أوجد بيت المقدس، تعود لنا فلسطين إذا مرغنا لرب العالمين أنوفنا في الطين.

وأتى صلاح الدين ليقود الأمة، من هو صلاح الدين؟ ما هي بطاقته الشخصية؟ ما هو حسبه؟ ما نسبه؟ مسلمٌ، عبدٌ لله، ولي من الأكراد: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:٨٩] من نصر الله؛ نصره الله، حبشياً، هندياً، تركياً، فارسياً، تركمانياً، أي بشرٍ وجنسٍ ينصر الواحد الأحد ينصره الله.

أبو لهب القرشي الهاشمي في النار، وبلال العبد الحبشي في الجنة.

ولا تحسب الأنساب تنجيك من لظىً ولو كنت من قيسٍ وعبد مدانِ

أبو لهب في النار وهو ابن هاشمٍ وسلمان في الفردوس من خراسان

صلاح الدين من أي بيت؟ من بيت امرأة تحفظ القرآن.

يا نساء المسلمين! أين من حفظت ابنها القرآن؟ أين من علمت ابنها السنة؟ أين من ردعت عيون ابنها عن المقت والرذيلة والخنا والزور؟ أين من سكبت الطهر في أرواح أبنائها ليخرجوا لنا نسخاً مكررة من صلاح الدين؟

حفظ صلاح الدين الأيوبي الكردي القرآن، وحافظ على تكبيرة الإحرام، لم تفته تكبيرة الإحرام في حياته، كان يقوم الثلث الأخير ويدعو الواحد الأحد: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:١٦٠] النصر من عند الله، وكان يقرأ الموطأ، وكان محدثاً مهتدياً فنصره الواحد الأحد، ورد بيت المقدس.

فإن بقينا على ذنوبنا وخطايانا وإسرافنا مع ربنا؛ فسوف ينشئ الله نشئاً آخر، وجيلاً آخر، متوضئاً، صالحاً، طاهراً، تالياً لكتاب الله، ليعيد لنا بيت المقدس، أما أن نأتي بعقائد هشة، وبولاءٍ منقوص، وبعدم ثقة في الباري وتفويض إليه واتباعٍ لرسوله؛ فأنَّى هذا: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥]

أمتي! أمة الإسلام! أمة محمد عليه الصلاة والسلام!

أمتي! أمة القرآن!

أتلقاك وطرفي حاسرٌ أسفاً من أمسك المنصرمِ

كيف أغفيت على الظلم ولم تنفضي عنك غبار التهم

ألإسرائيل تعلو رايةٌ في حمى المهد وظل الحرمِ

أوما كنت إذا البغي اعتدى موجةً من لهبٍ أو من دمِ

اللهم أعد لنا أمجادنا، وارفع أعلامنا، وسدد سهامنا، وثبت أقدامنا، ورد فلسطين محررةً إسلامية، ورد لنا المسجد الأقصى كريماً معززاً من يدِ يهود.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>