[السعادة ليست بالمال]
دخلوا على أبي ذر وهو في سكرات الموت، وهو يبكي، فقالوا: مالك؟ قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وراءنا عقبةً كئوداً، وأنه لا يتجاوزها إلا المخف وقد جمعت الدنيا فالتفتوا فما رأوا إلا قعباً وصحفةً وشملةً في بيته.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر:١٥] ومعنى الآية أن بعض الناس إذا أراد الله أن يبتليهم ويمتحنهم أغدق عليهم المال فقال هذا الإنسان -من جهله بالله- أكرمني بكرامتي عنده، وهذا ليس بصحيح! فقد يكون من أفجر الناس، ومن أخبث الناس؛ ولكن يعطيه الله المال فتنة.
وبعض الناس يبتليه الله بالفقر، فيقول من قلة قيمتي واعتباري عند الله؛ ابتلاني بالفقر، وهذا ليس بصحيح! فقد قد يكون المرء من أتقى الناس، وأعظمهم وأرفعهم، ولكن ابتلاه الله بالفقر ليرى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى صبره.
يقول المتنبي:
وفي الناس من يرضى بميسور عيشه ومركوبه رجلاه والثوب جلده
ولكن قلباً بين جنبي ما له سوى المجد مجد الأكرمين يحده
يحاول أن يكسى ثياباً ترفه فيختار أن يكسى دروعاً تهده
وتعالوا إلى المتنبي هذا الذي طنطن ودندن وأشغل الناس بهذه الهمة العالية.
يقول ابن الجوزي: عجبت للمتنبي هذا الذي يقول: أنا مطامحي عظيمة وأنا أريد شيئاً وحتى يقول:
وكل ما خلق الله وما لم يخلق مستصغرٌ في همتي كشعر في مفرق
أو كما قال!
أي أن البشرية كلها شعرة في مفرقة، وكان يقول:
أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود
فما هو مطلبه؟ المطلوب هو الإمارة، حتى يقول لـ كافور:
ليعلم قوم خالفوني وشرقوا وغربت أني قد ظفرت وخابوا
قال ابن الجوزي: خاب وخسر! والله إنها من أخس المطالب في الحياة، وإن الذي لا يطلب رضا الله فليس له من همةٍ في الحياة أبداً، وعجيب أن يطلب هذا الهمة ثم يقع فيما وقع عليه.