[فضل الاستعاذة]
المسألة الرابعة: فضل التعوذ، ورد التعوذ في أمور، وفضل صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ العبد عند الغضب، فعن سليمان بن صرد قال: {استب رجلان عند الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام جالس في المجلس، الأول يسب الآخر ويتكلم عليه فغضب ذاك غضباً عظيماً حتى احمرت أوداجه فقال عليه الصلاة والسلام: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، فقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: ما هي؟ قال: لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد، فقاموا فقالوا للرجل، فقال: لست بمجنون}.
انظر إلى الكبر قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة:٨٩] وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ} [البقرة:٢٠٦].
قيل له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
فقال: لست مجنوناً والحمد لله.
أنت أكبر مجنون!! ما دام أنك تكلمت بهذا السباب والشتائم والجرائم فأنت مجنون.
فقال: لست مجنوناً.
فمن غضب فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن أصابته غفلة ورانت على ذهنه، والغفلة: تأتيك دائماً وأبداً على مر الساعات وأنت في مكتبك، وفصلك، وأنت في طريقك، وسيارتك تمر بك الغفلة قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:٢٤] فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا أتاك مرض الشهوة فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ومن فضلها: ما رواه مسلم عن عثمان بن أبي العاص وعثمان بن أبي العاص شاب ثقفي، لكنه من شباب الإيمان والحب والطموح، شاب صغير لكنه تعلم القرآن حتى حفظ الكثير منه، ثم أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام -وهذا في سنن أبي داود بسند جيد- قال: {يا رسول الله! اجعلني إمام قومي} هذا لا يطلب وظيفة من أجل الراتب، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يمني الناس بالرواتب والمعاشات، بل كان أجرهم ومثوبتهم على الله، تقول له بعض القبائل العربية: {إذا ملكت الدنيا أشركتنا في الملك؟ قال: لا.
الأرض لله يورثها من يشاء}.
يأتيه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهم فقراء يريدون شيئاً فيقول: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:١٣٣].
فقال هذا الرجل: {يا رسول الله! اجعلني إمام قومي}.
وهذا فيه دليل على طلب الإمامة، لا كما يفعل بعض طلبة العلم والدعاة سامحهم الله، يوم يتأخرون عن الإمامة ويقول: لا أريد أن أحرج نفسي، لو صليت بهم المغرب أحرجوني وورطوني في صلاة العشاء.
فهل الإمامة ورطة؟! هل تتورط أن تكون واجهة: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:٧٤].
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة ولا عماد إذا لم تبن أوتادُ
فتخجل وتتورط أن تكون داعية وأن يدعى لك بالخير، وأن يترحم عليك، وأن يترضى عليك! إن هذا من الإحباط والانهزامية والفشل.
وهذا موجود أن بعضهم لا يريد الإمامة، ويقول: خطبة الجمعة لا أريد أنا محرج عندي من الأعمال ما يكفيني.
فعملك أن تكون إماماً وداعيةً، وأعمالك الأخرى لا تساوي فلساً واحداً.
فقال: اجعلني إمام قومي، قال: {أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم} وهذا فيه درس على أن من قام يصلي في الناس فلينظر في المسجد هل يرى شيوخاً كباراً، وهل يرى مرضى، وهل يرى أطفالاً، فليكن حكيماً لبيباً فقيهاً.
وبعض الناس إذا دخل في الصلاة نسي كل شيء وطول الصلاة وهو ربما يوسوس ويبيع ويشتري في السوق، ويطول على الناس حتى يتضجرون من الجماعة والصلاة، وهذا تعذيب للناس: {أفتان أنت يا معاذ؟}.
وبعضهم يسلقها سلقاً كسلق البيض: الله أكبر، الله أكبر، سمع الله لمن حمده، فالناس معه كأنهم شغالين من الصباح إلى المساء! وكأنهم في تمارين سويدية! وترى لفيحهم فقط من السرعة والعجلة، وسقطت ساعاتهم وأقلامهم وكتبهم من جيوبهم! والأمر لله عز وجل؛ فيسلمون والفحمى قد قطت ظهورهم!! فهذه صلاة لا تقبل.
والصلاة التي تقبل أن تستكمل ركوعها وخشوعها وخضوعها، قال: {أنت إمامهم واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً}.
لكن ما هو الشاهد هنا؟
الشاهد أن عثمان قام بعد الصلاة فشكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! شيطان لبس علي صلاتي} لأن بعض الناس إذا وسوس وسوس، ما يدري أهو في المسجد أو في مكان آخر، ذهب عقله ولبه فلا يدري أين هو.
ويقولون: الشيطان لا يأتي بقوة إلا في الصلاة.
وعلى ذكر ذلك يقولون: إن جحا رأى غمامة في السماء فحفر حفرة في الصحراء ووضع ماله تحت الغمامة؛ وأتى وإذا الغمامة في واد وماله في واد.
وذكر هذا عباس محمود العقاد لكن هذا من حديث عجائز نيسابور.
لكن أذكر أن أبا حنيفة جاءه رجل فقال: ما علمت أين وضعت مالي.
قال: قم صل فإن الشيطان سوف يخبرك.
فتوضأ الرجل، فلما قال: الله أكبر، أتى الشيطان وقال: وضعت مالك في مكان كذا وكذا.
فذهب وترك الصلاة وليته أكمل!
فيقول: {يا رسول الله! أشكو إليك شيطاناً لبس علي صلاتي لا أدري ماذا أقول.
قال: ذاك شيطان يقال له خنزب.
فإذا أحسسته فاستعذ بالله وانفث عن يسارك ثلاثاً} وهذا في صحيح مسلم.
الآن قد يقول البعض: لو ذهبنا ننفث ونفثت الجماعة كلهم لأصبح المسجد نفيثاً وأصبح شهيقاً وزفيراً! فهل هذا وارد؟
وهذا قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لمن كانت حالته كحالة هذا الرجل، أي أنه لبس عليه الصلاة ولا يدري هل قرأ الفاتحة أم لا.
أما الشرود فهو حاصل عند الجميع فلا تنفث فيه، لكن إنسان لا يدري هل قرأ الفاتحة؟! هل هو في الركعة الأولى؟! هل هو في صلاة الظهر؟! شرد ذهنه تماماً؛ فعليه فنقول: ينفث عن يسراه ثلاثاً ويستعيذ بالله من الشيطان، والحديث في مسلم وإذا أصبح الحديث في مسلم فخذه أيها المسلم فهذا أمر.