أشكو أن قرابتي أهل إسراف، في ولائمهم، وفي عزائمهم، وأنا يظهر لي من فعل والدي وإخواني أنهم يريدون الرياء والسمعة -والعياذ بالله- فهم لا يرضون إلا بكثير من الذبائح، والأرز، وكثير من الفواكه، فلا أدري ماذا أفعل معهم؟
الجواب
أيها الإخوة! الإسراف أصبح ظاهرة، وأصبحت أكثر عزائم الناس من أجل الرياء والسمعة، والتمادح والعياذ بالله! والله يقول:{وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأنعام:١٤١] ويقول تعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً}[الإسراء:٢٦ - ٢٧].
يموت ألوف من المسلمين جوعاً، وكثير من الناس يموتون شبعاً، فلا أدري ماذا يقول هؤلاء لربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يوم القيامة؟ أحدهم يقدم من الولائم والذبائح، ما لا يعلمه إلا الله فيعرضها للناس، فلا يأكلون إلا عشر معشار ما قدم لهم، فماذا يفعل في النهاية؟ يصبها في الزبالة، فهؤلاء محاسبون عند الله، وهؤلاء لو اتقوا الله، ما ضيفوا من أجل الرياء والسمعة، يقول عليه الصلاة والسلام:{أول من تسعر بهم النار ثلاثة منهم كريم -كان ينفق مثل بعض الناس، يحب مسألة الرياء والسمعة، حتى يتمادح الناس به، مثل حاتم الطائي - فيقول الله: أما أعطيتك المال؟ قال: بلى يا رب! قال: فماذا فعلت فيه؟ قال: أطعمت الجائع وكسوت العاري، فيقول الله: كذبت! وتقول الملائكة: كذبت! ويقول الله: إنما فعلت، ليقال: كريم، وقد قيل خذوه إلى النار} فيسحب على وجهه إلى النار، لقمةٌ أو وجبة قد تدخل صاحبها إلى النار لكن اذبح على قدر الحضور، وما عليك من أحد، ومن تكلم فليتكلم، ومن سب فليسب:
إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ
وهذا لا يعني أن تجعل العزومة على مقدار الضيوف للناس، ولا تبقي لأهلك شيئاً، لا، بل لابد أن تبقي لأهلك شيئاً.
ولابد أن يشعر الضيف أنك قدمت له شيئاً، أما أن تأتي وقد رزقك الله النعم والخيرات، والله يريد أن يرى أثر نعمته، فتغدي ضيفك تميزاً، وتقول: هذا فضل الله ونعمه والناس يموتون جوعاً في أفريقيا، فكل وسم الله! هذا صحيح لكنه ليس في أفريقيا ولا في أفغانستان، فأطعمه لحماً ورزاً وإداماً وكثف من الخير الذي يكفي الناس، لا يزيد عن حاجتهم ولا ينقص، أما أن يكون الإنسان بخيلاً فلا، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}[الفرقان:٦٧].
اقتصد في كل أمرٍ جيدٍ فكلا الأمرين إن زاد قتل
إن زاد قتل، وإن نقص قتل فعليك بالوسط:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}[البقرة:١٤٣].