[الخيرية في هذه الأمة لا تنتهي]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عنوان هذا الدرس: (أخبار المجتمع).
وهذا الدرس أنتم شاركتم فيه؛ بل هو من رسائِلكم وأسْئِلتكم وحواركم وخطاباتكم، وأسأل المولى تبارك وتعالى أن يأجركم على حضوركم، وعلى كتابتكم، وعلى حبكم للدين وللإسلام وللقرآن ولمحمد عليه الصلاة والسلام.
وأنا أعلم أنكم أتيتم من أماكن بعيدة، ومن القرى والأرياف والضواحي، أتت بكم رغبة ورهبة، رغبة فيما عند الله ورهبة من عذابه، فأسأل الواحد الأحد الذي جمعنا بكم في هذا المكان الطيب الطاهر، على غير نسب إلا نسب الدين وعلى غير سبب إلا سبب التقوى، أن يجمعنا بكم في دار الكرامة وأن يجعل محبتنا فيه.
إن شكري لكم لا ينتهي، علمت ذلك من قبل ومن بعد، ولكن بعد ما وصلتني الرسائل والأسئلة التي قرأتها في الأسبوع الماضي والدرس الماضي؛ علمت أن في المجتمع خيراً كثيراً عميماً، وأن هذه الأمة مباركة، وكما ورد في مسند أحمد من حديث أنس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أمتي كالسيل لا يُدْرى الخير في أوله أو آخره} فأنتم كالغيث، والذي يستهين بقدرات الناس، أو يحطم الناس بالأحكام العامة، كأن يقول: ليس في المجتمع خير، هو المخطئ وحده، يقول عليه الصلاة والسلام: {من قال هلك الناس فهو أهلَكُهم} وفي لفظ {فهو أهلكهم} رواه مسلم.
فما هلك الناس، وما زال الأبرار والأخيار كثر، وما زال الصالحون -والحمد لله- كثر.
ولقد وصلتني رسائل حتى قبل صلاة المغرب بربع ساعة من أناسٍ ما حضروا معنا، وأظن بعضهم حضروا وبعضهم لم يحضروا، سمعوا أنني أذكرهم بخير وهم شباب النوادي والملاعب والمقاهي، وأنا أذكرهم لا أريد الشكر إلا من الله، ذكرتهم بالفطرة التي يحملونها؛ فطرة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقلت من قبل وسوف أقول الآن: إنهم يحملون حباً أصلياً، وأصل الحب لا زال في نفوسهم.
فقد شرب رجل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الخمر أكثر من مرة، وأُتي به ليجلده الرسول عليه الصلاة والسلام، وشارك الصحابةُ في جلده فقال أحد الصحابة: {أخزاه الله، ما أكثر ما يؤتى به في الخمر! قال عليه الصلاة والسلام: لا تقل ذلك، فوالذي نفسي بيده إني أعلم أنه يحب الله ورسوله} فهؤلاء شباب الكرة أو الملاهي أو المقاهي أو من لا يظهر عليهم الالتزام، غالبهم إذا سمع سباً في محمد عليه الصلاة والسلام قدم روحه وسكب دمه في لحظة، ولكن أقول: إن الخطأ منا نحن، إذلم نكسر الحواجز ونصل إلى قلوبهم بالبسمة والكلمة الطيبة والزيارة؛ ليكونوا معنا في هذا المجلس الطيب الذي لولاكم بعد الله لما طاب.
ولما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الحب ناديا
أثار لنا حسن الحديث وذكره منىً فتمنينا فكنتَ الأمانيا
نسيت تاريخ هذه الجلسة؛ لأن بعض الأخيار نبهني وحبب إليّ أن أذكر تاريخ الجلسة لتكون ذكراً للمكان والزمان، ونحن الليلة في أبها، في تاريخ (٥/ ٤/١٤١٢هـ) نسأله سبحانه أن يكون لنا عمراً محسوباً في طاعته وليلة مباركة في مرضاته.
إن الرسائل ندية، وسوف أخبركم بما فعلت البطاقة التي وزعناها، والليلة سوف توزع عليكم ورقة فيها ما يقارب ستة عشر سؤالاً، أريد الإجابة عليها وإعادتها في غضون الأسبوع هذا قبل السبت، إلى المؤذن أو من ينوب منابه، ولا يغل مسلمٌ ورقته ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة.
فالرجاء إعادة الأوراق التي نوزعها عليكم الآن، وهي مكتوبة بكلام ينفعنا؛ في الدروس، والخطب، والدعوة، والخواطر؛ لأن رأي الاثنين أحسن من رأي الواحد، ورأي الثلاثة أحسن من رأي الاثنين، فأنتم ترونها وتكتبونها وتعيدونها وهي أمانةٌ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {على اليد ما أخذت حتى تؤديه}.
والرسائل التي وصلت صدرت بكلمة (إنا نحبك في الله) فأقول: أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، وأُشهد الله عز وجل، ثم أشهد ملائكته، وأشهد حملة العرش أني أحبكم في الله، وما أعلم أنني في هذه الجلسة أكره رجلاً بعينه، إنما هو الحب، لأننا اجتمعنا على غير نسب ولا سبب إلا على لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحب -يا أيها الإخوة- عظيم، وهو قصة عظيمة طويلة، وما يجمع هذه الأمة إلا الحب: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٦٣] وأقول لكم -والأبيات ليست لي ولكنها لـ ابن القيم -:
أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم
وحملها جهد المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم
لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتم أو حضرتم
يقول ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[والذي نفسي بيده لو صمت النهارَ لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية؛ لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]].
المسألة الثانية: يطلب كثيرٌ من الإخوة الدعاء، وتأمين الحاضرين.
أسال الله عز وجل أن يكشف المرض عن مرضى المسلمين، وأن يرد فاسقهم إلى الطاعة، وأن يهدي عاصيهم، وأن يثبت مهتديهم، وأن يجمع بين قلوبنا على الحق، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا، ونسأله -سُبحَانَهُ وَتَعَالى- رحمةً عامةً وخاصةً.
ولولم نحصل من هذا اللقاء إلا هذه الدعوات لكان حسبنا.
ولقد مر بي في بعض الدروس أن بعضَ الحضور يقول: أنا لأول مرة تبت وحضرت هذا الدرس، أريد منك ومن الحضور دعوة.
فقلت: يا سبحان الله! أي خير ساقه الله لهذا الرجل، لأول مرة يحضر ويتوب ويطلب دعوة أكثر من ألفين ممن حضر أو ثلاثة آلاف، أليس فيهم رجلٌ صالحٌ أو وليٌ من أولياء الله لو أقسم على الله أبره؟ بلى والله، إني أعلم أن فيكم صالحين وعباداً، ومن يقوم الليل ويصومُ النهار، ومن يحب اللهَ ورسولهَ أكثر من نفسه، فهنيئاً لمن دُعِي له في هذا الموقف العظيم، أسأل الله الاستجابة.
وأكرر أن الاستجابة كانت جيدةً، وسوف تسمعون نسباً مئوية للأسئلة والإجابات التي وصلت، ومن أخذ البطاقات ولم يعدها؛ إما لأنه باعها أو نسيها في بيته؛ فهي في ذمته إلى يوم العرض الأكبر: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩] إما أن يعيد لنا بطاقتنا البيضاء التي أخذناها بدراهمنا، وإما أن يكتب سؤالاً، وإما أن يعطيها زميله.