للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التوبة بابها مفتوح]

السؤال

ما حكم الذي لم يترك أي جريمة إلا وارتكبها ما عدا القتل والسرقة، هل له توبة وهل له كفارة؟ مع العلم أنه يصلي ويصوم؟

الجواب

أما التوبة فلم تحجب عنك ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو ما لم تغرغر أنت.

فبالنسبة إلى كل العالم إذا طلعت الشمس من المغرب انتهت التوبة، وبالنسبة لك ما لم تغرغر لكنك لا تسوف في التوبة، واعلم أن أي ذنب يغفره عز وجل بالتوبة، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كان فيمن كان قبلكم رجل أسرف على نفسه في الخطايا فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا مت، فأحرقوني بالنار -يعني جثمانه- ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم ذي ريح، فلما مات أحرقوا جثمانه بالنار، وسحقوه وذروه ظناً أن الله لن يجمعه كما بدأه أول مرة، فأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي أنشأه أول مرة {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عليمٌ} [يس:٧٨ - ٧٩] فلما أصبح أمامه، قال: يا عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: خفتك وخشيت ذنوبي.

قال: فإني قد غفرت لك} هذا مذنب أخطأ خطأً بيناً، حتى يقول ابن تيمية: إن من أعظم خطاياه: أنه شك في القدرة.

من أعظم خطايا هذا الرجل أنه شك في قدرة الله، الذي من شك فيها دخل شكه في المعتقد، لكن مع ذلك لما خاف لقاء الله، وأظهر التوبة والجزع عند الموت تاب الله عليه، وهو من عصاة الموحدين، فلا يفهم أنه كان لا يحمل توحيداً.

ماعز بن مالك زنى وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب التطهير، فطهره صلى الله عليه وسلم، فبعض الصحابة سب ماعزاً، فقال صلى الله عليه وسلم: {لا تسبه.

فوالذي نفسي بيده، إني أراه ينغمس في أنهار الجنة}.

والمرأة الغامدية التي زنت طهرها النبي صلى الله عليه وسلم، فسبها بعض الصحابة وقال: "لو استترت" فقال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم} وفي لفظ: {لو تابها صاحب مكس.

-قيل: شرك، وقيل: مبتاع بالمكس- لقبل الله توبته}.

وأنت إذا أذنبت فعد إلى الواحد الأحد.

رجل قتل تسعةً وتسعين نفساً، فأتى إلى راهبٍ متخلف في صومعته فقال: هل لي من توبة؟ وهذا الراهب ليس عنده علم، فقال: ليس لك توبة.

فقتله فوفى به المائة.

ثم قال: دلوني على عالم، فدلوه على عالم.

فقال له: هل لي توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ باب التوبة مفتوح، تب إلى الله، فتاب وقال له: اذهب إلى أهل هذه القرية فإنها صالحة، أهلها يعينونك على الصلاح، فذهب، فمات في الطريق ولم يعمل صالحاً بعد، وما تقرب بشيء ولكنه تاب، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إليهم أن قيسوا ما بين المسافتين، فقال الله عز وجل لتلك القرية: تقاربي، ولهذه: تباعدي، حتى يكون أقرب إلى القرية الصالحة، فوجدوه أقرب إليها فرحمه الله.

من يمنعك من التوبة؟ باب الله مفتوح، ونواله ممنوح، وعطاؤه يغدو ويروح.

لكن إذا كان هناك من شروط فشروط التوبة:

أولاً: أن تعزم على عدم العودة.

الأمر الثاني: أن تندم على ما فات منك.

الأمر الثالث: أن ترد حقوق الناس إليهم؛ لأن حقوق الناس مبنية على المشاحة، وحقوقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مبينة على المسامحة.

إن أخذت مالاً فمع التوبة أعد ذاك المال إلى صاحبه أو تصدق به على نية صاحبه، إن خفت من الضرر الأعظم من عودة هذا المال، وإن اعتديت في ممتلكات الناس فأعدها، وإن سببت رجلاً فلك أن تستبيح منه أو تستغفر له في ظهر الغيب.

هذه هي التوبة، وهنيئاً لك إذا تبت إلى الله الواحد الأحد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>