للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بعض الأمثلة على كثرة السؤال]

أتى أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -وهذا من باب التعدي على الكتاب والسنة- فربط ناقته في وادي وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أين ناقتي يا رسول الله؟ -ومن أدرى الرسول عنك وعن ناقتك؟! وهل بعث صلى الله عليه وسلم ليخبرك بناقتك وزوجتك وأطفالك؟! - فسكت صلى الله عليه وسلم، فقال: {أين ناقتي يا رسول الله؟ -هو يريد أن يسلم ويعرف هل الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب أم لا، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، وسكت الأعرابي، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يستهديه ويتألف قلبه- فقال: ناقتك في الوادي الفلاني مربوطة بشجرة سلم -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله}.

وأورد ابن كثير أثراً في كتاب الشمائل، يقول: {أتى أعرابي يبيع ضباً في السوق -رأس ماله الضب هذا- فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه -الرسول صلى الله عليه وسلم يستغل المناسبات في سوق عكاظ، وفي المجمع والنادي ومكان التجمع، فهو داعية يجوب كل مكان -قال: يا أعرابي! إني رسول الله إلى الناس، أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.

قال: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله.

قال: من أرسلك؟ قال: الله.

قال: والله لا أسلم لك حتى يسلم لك هذا الضب.

قال: فإن أسلم الضب أتسلم؟ قال: نعم.

فقال صلى الله عليه وسلم: يا ضب! أتشهد أني رسول الله؟ قال الضب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله} والحديث في سنده نظر، لكن أورده البيهقي في الدلائل، وابن كثير في الشمائل.

أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل

لكن على كل حال؛ إنما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتألف قلب هذا الرجل حين قال: ناقتك مربوطة وإلا فهو عليه الصلاة والسلام ليس مسئولاً عن هذه الأسئلة.

وفي صحيح البخاري، قال أنس: {سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكثروا عليه؛ فغضب؛ فجلس، فقال أبو حذافة: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك فلان.

فجلس عمر على ركبتيه لما رأى غضب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً} وإنما غضب صلى الله عليه وسلم من كثرة الأسئلة التي ليس لها داعي، وإنما هي من باب التقدم على الكتاب والسنة، فأنزل الله في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:١٠١] فاسكتوا حتى يأتي القرآن والسنة، ثم سيبين لكم الأمر، ولا تتقدموا بين يدي الله ورسوله.

قال الدارمي: ثبت بسند صحيح عن عمر أن عمرو بن العاص أتى إليه، فقال: يا أمير المؤمنين! معي في الجيش رجل يأتي إلينا فيسألنا، قال عمر: عن ماذا يسألكم؟ قال: يقول: يقول الله عز وجل: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:١] قال عمر: هيه.

قال: ويقول: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:١] قال عمر: هيه.

قال: ويقول: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:١] قال عمر: هيه.

قال: فيقول الرجل: كيف يقول الله هناك (والذاريات) وهنا (والمرسلات) وهناك (والنازعات)؟ فأنصت عمر، وقال: علي بالرجل، يا عمرو بن العاص! لا يفوت الرجل، والذي نفسي بيده! لئن فات الرجل ليمسنك مني عقوبة عمر ما عليه من أحد كبير أو صغير، ما يحميه من العدل حامي فذهب عمرو وأتى بالرجل، وقد تهيأ له عمر بضيافة ما بعدها ضيافة، فهيأ له عراجين النخل، ورشها بالماء لتليق بجسمه أحسن، فقال عمر: أنت الرجل الذي يقول كيت وكيت، قال: نعم يا أمير المؤمنين، وما أردت إلا الخير.

سبحان الله! ما أحسن هذا الخير! قال: ابطحوه أرضاً، فاعتلاه أمير المؤمنين، ثم ضربه وجهاً لبطن من نية وإخلاص لله عز وجل، يحتسب أجره على الله، فأغمي على الرجل فقال: رشوه بالماء، فرشوه بالماء فأفاق ولسان حاله يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله! قال عمر: ادنوه، فأدنوه فبطحه، قال: رشوه بالماء، فرشوه فأصبح، ومرة ثالثة فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد دوائي فقد برئت والله انتهى المرض، علاج ما بعده علاج في غرفة عمليات عمر! ثم قال: احملوه إلى الجيش ولا يكلمه أحد.

فحجزوا عنه الكلام، وأضربوا عن الحديث معه سنة كاملة، وبعد سنة قالوا: يا أمير المؤمنين! صلح حاله، أصبح مستقيماً على أمر الله.

قال: اتركوه يحدث الناس.

هذا التقيد بالكتاب والسنة: أما أن يتلاعب الإنسان ويأتي يخرص تخريصات، ويضلل الأمة، ويشوه معالم الكتاب والسنة بحجة الثقافة العامة فلا هذه قداسة {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢] هذا دين خالد لا يقبل اللبس، ولذلك جاء في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا يزال الناس يسألون، حتى يقولوا: هذا الله، فمن خلق الله؟!} ومن وجد هذا في نفسه فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يعبث بالكتاب والسنة، فإن معنى ذلك فتح الباب لكل مهرج وموسوس ومهلوس والعياذ بالله.

وفي السير في ترجمة عمر: أن رجلاً أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله سؤالاً وقال: {يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف.

قال صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج} وهذا الحديث متنه في سنن أبي داود عن أسامة بن شريك قال: {يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف.

فقال صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج، فأتى الرجل إلى عمر وقال: يا عمر! سعيت قبل أن أطوف.

قال: افعل ولا حرج.

قال: صدقت، سألت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل قليل فقال لي مثل ما قلت.

فقال عمر: خررت من يديك، تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تسألني} ولو كان في غير حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لأدبه عمر تأديباً يردعه وأمثاله، وهذا فتح الباب للهلوسة والتخرص في دين الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>