[ماذا قال الشعراء في ذم الغناء]
يقول محمد إقبال شاعر الإسلام الفيلسوف الكبير:
أرى الفقراء عباداً تقاة قياماً في المساجد راكعينا
هم الأبرار في صوم وفطر وبالأسحار هم يستغفرونا
وليس لكم سوى الفقراء ستر يواري عن عيوبكم العيونا
أضلت أغنياءكم الملاهي فهم في ريبهم يترددونا
وأهل الفقر ما زالوا كنوزاً لدين الله رب العالمينا
ويقول في الغناء وذمه والطرب:
لقد سئم الهوى في البيد قيس ومل من الشكاية والعذاب
يعني: مجنون ليلى قيس بن الملوح:
لقد سئم الهوى في البيد قيس ومل من الشكاية والعذاب
يحاول أن يباح العشق حتى يرى ليلاه وهي بلا احتجاب
يريد سفور وجه الحسن لما رأى وجه الغرام بلا نقاب
فهذا العهد أحرق كل غرس من الماضي وأغلق كل باب
لقد أفنت صواعقه المغاني وعاثت في الجبال وفي الهضاب
يقول ابن القيم ذاماً الغناء ومحذراً منه، ومخبراً أن في الجنة غناءً لمن اتقى الله، وتاب من مزاولة الغناء ومن استماعه، وهو يشير إلى حديث عند أحمد بسند جيد في المسند: {إن في الجنة جوارٍ يغنين، يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} نظمها ابن القيم لأن ابن عباس قال: [[إذا أراد أهل الجنة أن يستمعوا الغناء، أرسل الله لهم في الجنة ريحاً طيبة، فهزت أغصان الشجر، فيسمعون الغناء، فلا يتلذذون بمثل ذاك الصوت]] قال ابن القيم:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان
يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان
وقال ابن القيم في قصيدة بديعة له يذم الغناء ومحترفيه:
فدع صاحب المزمار والدف والغناء وما اختاره عن طاعة الله مذهبا
ودعه يعش في غيه وضلاله على تنتنا يحيا ويبعث أشيبا
ففي تنتنا يوم المعاد نجاته إلى الجنة الحمراء يدعى مقربا
سيعلم يوم العرض أي بضاعة أضاع وعند الوزن ما خف أو ربا
ويعلم ما قد كان فيه حياته إذا حصلت أعماله كلها هبا
دعاه الهدى والغي من ذا يجيبه فقال لداعي الغي أهلاً ومرحبا
وأعرض عن داعي الهدى قائلاً له هواي إلى صوت المعازف قد صبا
يراع ودف والصنوج وشادنٌ وصوت مغنٍ صوته يقنص الظبا
فما شئت من صيد بغير تطاردٍ ووصل حبيب كان بالهجر عذبا
وشاعر عصري اسمه: القاضي، ماتت فنانة من الفنانات وذهبت إلى الله بأعمالها وما قدمت، فرثاها بعض الناس فرد هذا الشاعر بقصيدة يقول:
من غادة الفن هذي أنت تبكيها ومن بها كلف إياه تنعيها
مضت بما قدمت والله سائلها عن الذي كان يجري في نواديها
إن التراث الذي أبقت لَكُمْ فَلَكَمْ أشقى البلاد وأشقاكم ويشقيها
كم غادة خلعت ثوب الحياء غدت في حضن مسعور تغويه ويغويها
صرعى على نغمات الناي قد ذهلت كدمية بصق الشيطان في فيها
من قال إن الذي أسدت لأمتها مجداً فقد قال بهتاناً وتمويها
هَبْها بَنَتْ جَيْشَ شَعْبٍ من مكاسبها أو الأرامل قد باتت تواسيها
ألم يكن من حرام كلُّ ما جمعت وأنت بالشعر ترجو أن تزكيها
إن الرسول الذي قامت لتمدحه ذكراه قد رفعت إن كنت ناسيها
لا يرتضي أن يراها في غوايتها تغري بألحاظها من كان يغريها
ما بال أحمد لم تحفل به بلد أهدى لها النصر فاهتزت روابيها
كأنه لم يكن بالأمس في لجب يزجي الكتائب في سيناء يفديها
وأقول لكم -أيضاً- أنا:
يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها
هامت إليك فلما أجهدت تعباً رنت إليك فحنت قبل حاديها
إن لم تجرني برشد منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيها
فإن عفوت فظني فيك يا أملي وإن سطوت فقد حلت بجانيها