للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الترف والبذخ من أسباب الفتن]

السبب الخامس: الترف والبذخ المنسي، فالأمة اليوم تعيش بذخاً وترفاً، الترف المتجاوز للحدود، ترف مالي وفكري ومادي، وترف حتى في الفراغ، فنحن نعيش حياة الترف، ومن يقارن بين حالتنا هذه وبين حالة آبائنا وأجدادنا يجد البون الشاسع، الترف في المساكن، والترف في المطاعم والمشارب، حتى أصبحت من مقاصد الأمة، وأصبح كثير من الناس يعمل لهذا الترف، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:١٦].

أين الذين يملكون الملايين المملينة؟

هل صحيح أن جميعهم اتبع منهج الله في أمواله؟

هل صحيح أن كثيراً منهم اتقى الله في هذا المال الذي يكسبه؟

هل صحيح أن كثيراً منهم أرشد الإنفاق في الأموال هذه وأنفقها في سبيل الله؟

والله لو فعلوا ذلك لم يبق فقير ولا مسكين ولا أرملة، لكن انظر إلى الفقر، تجد هنا أناساً يعيشون الثراء، الثراء إلى النجوم، وأناس يعيشون الجوع، الجوع إلى التراب، ومن يدخل قرى مثل: قرى تهامة -وقد رأيتها بعيني- يجد هذا، يجد بعضهم لا يجد السكر الذي أصبح الآن من الكماليات، وبعض البيوت لا يغادره اللحم في الوجبات جميعاً، ولا يمكن أن ينفصل بيت بعضهم من اللحم، ولكن وجدنا في بعض القرى التي دخلناها أنا وثلة أكثر من ستين داعية وطالب علم من بعض المؤسسات التعليمية، وجدنا بعضهم لا يرى هذا السكر الذي معنا ونعتبره نحن سهلاً ميسراً.

فأين الملايين؟

وأين البذخ؟

وأين الترف؟

تجد هذا الترف والبذخ الذي انحرف عن منهج الله أصبح شيكات سياحية إلى بانكوك وباريس ليُعصى الله عز وجل، أصبح رباً، سيارات من الربا، وفللاً من الربا، وبيوتاً من الربا، وملابس من الربا، أصبح هذا محاربة لله عز وجل في مثل ماذا؟ في مثل بيوت للغناء الماجن، وبيوت للفيديوهات المنحرفة، أصبح هذا المال يوم ما أرشد بتقوى الله عز وجل والخوف منه مالاً يتبع سنة قارون، وإلا فالمال والغنى إذا أرشد ووجه كان خيراً.

دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه الجنة بماله، لأنه أنفقه في سبيل الله، وكان ابن عوف يملك الألوف المؤلفة، لكن أرضى ربه بماله، وأنقذ الأكباد الظامئة والبطون الجائعة.

الترف هذا إن لم يوجه كان انتكاساً للشخصية، وكثير من الشباب بالاستقراء من أحوالهم وجد أن سبب إعراضهم عن طاعة الله عز وجل هو الترف، حتى ترك بعضهم مزاولة الأعمال الدنيوية مثل: العمل، والوظيفة بسبب أنه مترف.

إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة

فتصور شاباً ليس عنده إيمان، ولا يعرف المسجد ولا المصحف، ولا يتقي ربه، وعنده مال في جيبه، وعنده سيارة فاخرة، وعنده أموال مكدسة، وفلة بهية، كيف يكون ضائعاً!!

حتى أننا عجزنا أن نقدم من أمتنا ومن بلادنا عمالاً لنا، وأصبح العمل عند بعض الناس عاراً، الدخول إلى المنجرة، إلى الخشابة، إلى تقديم الخدمات للناس أصبح كأنه عار عند بعض الناس من البذخ والترف، وإلا فزكريا عليه السلام كان نجاراً، وداود عليه السلام كان حداداً، وما من نبي إلا رعى الغنم، ولكن هكذا يضيع الترف الجيل، ويجعلهم متهرولين كسولين خاملين في الدنيا والآخرة.

فمن أسباب الفتنة بل من أعظمها: الترف إذا لم يوجه لطاعة الله عز وجل ولرضوانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>