للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موسى عليه السَّلامُ أمام فرعون

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وعلى قدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

في مثل هذا الشهر، طورد داعية أول، زميلٌ له عليه الصلاة والسلام، نهجه نهجه، ومسيرته مسيرته، ودعوته دعوته، إنه موسى عليه السلام: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:٣١] لا يُبعث نبي إلا وقد هيأ الله طاغيةً هناك يرصد له، ولا يحمل رائدٌ من رواد الدعوة مبدأً إلا ويتهيأ له ظالمٌ يرصده، سنة الله: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٦٢] {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:٢٥١].

في هذا الشهر، خرج موسى مطروداً من مصر، يطارده فرعون المجرم بستمائة ألف مقاتل {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف:٥٤] قطيع ضأن، الشعوب التي لا تفهم إلا الخبز والأكل، ولا تفهم إلا ثقافة القِدْر، والجيب والبطن تصفق للطاغية وتحثوا على رأس الداعية.

الشعوب المهلهلة المهترية المتهالكة من الداخل طاردت موسى يريدون قتله، لأنه يريد أن يحررهم وهم يقولون: لا.

يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وهم يقولون: لا.

يريد أن يرفع رءوسهم، وهم يقولون: لا.

اصطدم بالبحر، الجيش وراءه والموت، والبحر أمامه والموت، إلى أين؟ إلى الله، التفت ودعا، والله قريب: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦].

بنو إسرائيل الخونة الجبناء ولولوا وخافوا وارتعدوا، والكتائب حوله انهارت، يا موسى!: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:٦١] ولكن موسى يتبسم، كما يتبسم محمد في الغار {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:٦٢]

فيقال له كما ذكر بعض أهل السير: أين يهديك وفرعون خلفك والبحر أمامك؟! هذه ورطة لا حل لها، هذا مضيقٌ لا مخرج منه في عرف البشر، {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦٢] ويتلقى المكالمة في الحال من الله، لا تتأخر عنه؛ لأنه كان كليماً: اضرب البحر بعصاك، فضرب باسم الله البحر فانفلق يبساً فمشى بنو إسرائيل، وأتى فرعون يريد أن يجرب آخر جولة له في عالم الضياع، وهي مصارع الطغاة، والطغاة لهم مصارع، إما أن تلعنهم القلوب وهم يسيرون على الأرض وهذا مصرع، وإما أن يشدخون كما شدخ هذا وهذا مصرع، وإما أن يدخر الله لهم ناراً تلظى، وهذا مصرع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>