[الدعاة تابعون للنبي صلى الله عليه وسلم في التيسير والمحبة للناس]
أيضاً ليس بيننا وبين أحد من الناس عداء، لا يتصور بعض الناس أن الدعاة يريدون شيئاً من الدنيا، أو يريدون شيئاً من الأراضي، أو المناصب، أو الممتلكات، أو القصور، فوالله ما رأيت داعية ممن يوثق بعلمه ودعوته إلا يريد الخير، ولا يريد سبباً إلا إن كان شيئاً لا نعلمه في نيته فالله المطلع، وما لسان حال كل منهم إلا كما قال القاضي الزبيري:
خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا
فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا
وهو منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ}[هود:٨٨] وهناك {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص:٨٦] لا يطلبون أجراً على دعوتهم، ولا يريد الواحد منهم كنزاً، إنما يعيش لدعوته فقط.
أيضاً ليس بين الدعاة وبين أحد من الناس ثارات جاهلية، أو نزعات، أو مسألة أساء إلي فلا بد أن أنتقم لنفسي، أو ميراث أخذه جده أو عمته أو جدته، لا، مسألة الدين فقط، الإسلام فحسب، وإلا الرسول صلى الله عليه وسلم جرح عرضه صراحةً، وأدمي عقبه، ووضع سلى الجزور عليه، وأهين في مواقف، وقتل من أصحابه سبعون، وشج رأسه، وكسرت ثنيته، ومع ذلك يقول:{اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.
أيضاً الإسلام أيها الإخوة الكرام! أتى موافقاً للفطرة، فلا تحاول أنت أن تلغي هذا الدين الذي تقبله القلوب، والعالم الآن أصبح عالماً متديناً، نسبة التدين في العالم الآن من (٧٦%) إلى (٧٧%) حتى العالم الشيوعي أصبح يتدين بغض النظر عن الديانة التي يعتنقها، وقبل سنوات -كما تعرفون- اعتنق جرباتشوف النصرانية وغيره كثير من الحزب الشيوعي وتخلوا عن مسألة الإلحاد، لأنها نظرية خاطئة، والله يقول:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأنعام:١١٠] لكن كيف يتدين الناس تديناً صحيحاً؟ يوم يرون عرض الإسلام عرض التبشير، عرض السهولة , عرض اليسر.
وإني من هذا الموقف أقول كلمة ويوافقني عليها الدعاة ولا أعلم داعيةً يخالفني في هذا والله لا أريد بها مجاملة ولا محاباة والله الشاهد: إنني لا أعلم في هذا العصر عالماً له منهج رباني (من الأحياء) علمه سديد، ودعوته ومنهجه، ويسره وفتاويه كسماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وإنه يستحق أن يكتب في منهجه، في الدعوة، وفي التعليم، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتب، وأن تدرس وأن تعلم، انظر إليه الآن في منهج الفتوى، فليس هو بذاك الذي يتعلق بالفروع ويطرح النصوص، ولا هو بالظاهري الجامد على ظاهر النص، ولكنه الموافق المتألق الذي يستوحي معلوماته من الكتاب والسنة بفهم صادق، ونية يريد بها الله والدار والآخرة، هذا أمر يستحق محاضرة عن منهج سماحته في الدعوة حتى نري شبابنا وجيلنا عالماً في الأحياء، وإلا فمن عدل الله ألا يعدم الأمة من عالم حجة ومجدد، من عدله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ألا يعدم الدنيا من ذلك.
مراعاة واقع الناس، أنا أدعو إخواني من الدعاة أن يراعوا واقع الناس، وألا يطلبوا من مجتمعنا هذا أن يكون كمجتمع أبي هريرة وسلمان وسعد بن أبي وقاص، لأن القدوة عندهم محمد عليه الصلاة والسلام، وجبريل يتنزل بالوحي صباح مساء، أما زمننا أيها الإخوة! فشرور وفتن وابتلاءات وإغراءات ومحن، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه -فيما نسبه العلماء إليه كـ ابن عبد البر والخطيب البغدادي - قال:[[إنكم في زمن من ترك عشر ما أمر به هلك، وسوف يأتي زمن من فعل عشر ما أمر به نجى]] وهذا ليس على إطلاقه، ولكن يقصد به من النوافل، أو ما زاد على الفرائض.