وهناك وفود أخرى ردها صلى الله عليه وسلم كوفد بني حنيفة مع مسيلمة، أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فجلس في الرحال، ولم يدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتى بنو حنيفة فدخلوا، فقال: من تركتم في رحالكم؟ قالوا: تركنا رجلاً هو مسيلمة، فقام صلى الله عليه وسلم ومعه عصا ومعه ثابت قيس بن شماس إلى مسيلمة، فقرع رأسه بالعصا وقال:{والله إن سألتني هذا السوط لا أعطيك إياه، والله إن خرجت ليهلكنك الله، وإن أدبرت ليتلونك الله سبحانه وتعالى -أي ليكشفنك الله- ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألا إنه شركم مكانة} فعاد مسيلمة، فلما كان في الطريق قال: أتدرون ما له يتكلم علي ويسبني؟ -يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم- قالوا: لا.
قال: لأنني سوف أنبأ ويرسلني الله فيكم كما أرسله؛ فحسدني، فلما رجعوا بلادهم ادعى النبوة، قال له بنو حنيفة: وما بال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: نبيٌ مثلي له نصف الأرض ولي نصف الأرض.
سمع من القرآن النازعات إلى قوله تعالى:{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً}[النازعات:٢] فقال: والخابزات خبزاً، والعاجنات عجناً، وهذه أوردها ابن كثير والذهبي والأئمة وغيرهما.
فصدقه قومه بخرافته، فكتب رسالة للرسول صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله -قاتله الله- إلى محمد رسول الله؛ أما بعد: فلي نصف الأرض، ولك نصفها، لك المدر ولي الوبر، ولكن الناس أكثرهم لا يعدلون، وجعلها مثل آخر الآية!
فوصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأها مزقها صلى الله عليه وسلم ودعا عليه، ثم أرسل إليه صلى الله عليه وسلم حبيب بن زيد فقتله، وظل دجالاً حتى صفى حسابه أبو سليمان خالد بن الوليد في عهد أبي بكر فقاتله؛ فما علم أين القبلة هل هي في الشمال أو في الجنوب، ودخل عليه في حديقته، فقتله قتل عاد وثمود.