للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فضل الصدقة]

قال صلى الله عليه وسلم: {والصدقة برهان}.

أما الصدقة فلا تسأل عن حكمها، والصدقة إذا أطلقت في الكتاب والسنة فيقصد بها الزكاة المفروضة والنافلة، فقوله صلى الله عليه وسلم: {فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم} وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:٦٠] يعني: الزكاة، فهي تشمل هذا وهذا والحمد لله.

وأما فضل الصدقة: فهي مكفرة للخطايا، وهي توسع صدر العبد، وعدها ابن القيم في زاد المعاد من أسباب شرح الصدر، وكذلك وصف صلى الله عليه وسلم رجلين كريماً وبخيلاً، برجلين عليهما جبتان، فلا يزال الكريم ينفق فتتسع الجبة ولا يزال البخيل يمسك فتضيق عنه، فيقول أبو هريرة: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع} يعني الجبة من ضيقها، ولذلك نفوس البخلاء من أضيق النفوس؛ لأنهم ما بذلوا، ونفوس الكرماء من أشجع النفوس ويقولون: في الغالب تجتمع للكريم الشجاعة، وللشجاع الكرم، وغالباً يجتمع في البخيل الجبن وفي الجبان البخل، فتجد الشجاع دائماً كريماً؛ لأنه يجود بنفسه صباح مساء، يقول بعضهم:

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود

وهذا في كرم النفوس، فيقول صلى الله عليه وسلم: {والصدقة برهان} دليل على صدق صاحبها في الإيمان، والمنافق لا يتصدق، وأبخل الناس في الأموال المنافق، فإنه يكدس الدنيا ولا ينفق أبداً؛ لأنه لا يؤمن بموعود الله، فهو ليس حريصاً على قيام الليل؛ لأن أخبار لقاء الله عز وجل وأخبار الكتاب والسنة ليست موثوقة عنده، وكذلك لا يتصدق لأنه يقول: عصفور في اليد ولا عشرة فوق الشجرة، ويقول:

خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل

ويقول سبحانه وتعالى: {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:٣٧] لذلك تجد المنافق يقول: أمسك مالك، ودع الإسراف والتبذير، ولا تضيف هؤلاء الضيعة من الناس، ولو افتقرت لما ضيفك منهم أحد، ولا ينفعك إلا مالك، وادخر درهمك الأبيض ليومك الأسود!! ويأتيك بهذه المقالات، ومن أحسن من كتب في هذا الجاحظ في كتاب البخلاء فقد أتى بالبدائع في بخل بعض الناس، حتى إن أحدهم يلقي محاضرة إذا قدم الطعام، منهم أحد البخلاء قدم تيساً محنوذاً، والتيس معروف، فأتى هذا الضيف يأكل منه، فقال له البخيل: يظهر أن أمه نطحتك، كأنه أخذ يلعب بالتيس لعباً، وكأنه يقطع من كبد المضيف، فقال له الضيف: وكأن أمه أرضعتك، يعني: لماذا تحن عليه؟ هل بينك وبينه نسب؟! الحمد لله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وذكر من قصصهم كثير وكثير ولولا أن الوقت لا يسمح لأوردت بعض القصص من أخبارهم والله المستعان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>