ولما انتهى عليه الصلاة والسلام قام وترك الناس مكانهم، ثم أخذ طريقه إلى بيت أم هانئ، وهي ابنة عمه -أخت علي بن أبي طالب - وكانت مسلمة، لكنها كانت في الحرم، فسبقها صلى الله عليه وسلم إلى البيت، ومعه ابنته فاطمة، فدخلت فاطمة وراء الرسول عليه الصلاة والسلام، وأتى عليه الصلاة والسلام ليغتسل، وهذا من نظافته واعتنائه بجسمه، حتى أن سعيد حوى يقول: مع هذه المشاغل، وهذه الدواعي، والأحداث لم يترك صلى الله عليه وسلم الاعتناء بنفسه وبجسمه.
تقدم عليه الصلاة والسلام إلى البيت وأمر فاطمة أن تستره بثوب، فاغتسل عليه الصلاة والسلام، وبينما هو في المغتسل إذ دخلت أم هانئ، وقالت: السلام عليكم، فقال عليه الصلاة والسلام وهو في المغتسل، وفاطمة تستره بثوب، وهي من وراء الثوب:{من هذه؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بـ أم هانئ}.
ولذلك يستدل به بعض أهل العلم في استخدام الألفاظ كمرحباً وأهلاً وسهلاً، وكلها واردة.
فقالت أم هانئ: فجلستُ في البيت وخرج صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة وصلى ثمان ركعات ضحى، قالت: ما أدري هل يقرأ الفاتحة أم لا؟ من سرعة الركعات، قيل: هذه ركعات الضحى، وقيل: ركعات الفتح، فلما سلم عليه الصلاة والسلام التفت إلى أم هانئ، وقال:{ما الخبر؟ قالت: زعم ابن عمك أنه يقتل ابن هبيرة، وقد أجرتُه يا رسول الله! فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ}.
وابن هبيرة هذا كافر، قريب لـ علي بن أبي طالب.
ولما دخل علي رضي الله عنه ذاك اليوم رأى ابن هبيرة بين الناس، فأخذ علي يتفلت عليه بالسيف يريد قتله في الحرم، فأخذ الناس يحولون بينه وبين علي رضي الله عنه وعلي يأبى إلا أن يقتله، فأتى ابن هبيرة النساء، وهن عمات علي وخالاته ليمسكن علياً -لأن ابن هبيرة وعلياً أقارب- فيتفلت علي والسيف مسلول، ويقول: أقتله اليوم، فأتت أم هانئ تقول: أجرتُه أجرتُه، فما سمع لها علي حتى ذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال:{قد أجرنا من أجرتِ}.