للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تكفير الذنوب بالحضور يوم الجمعة وشروط ذلك]

وأما التكفير للذنوب فمشروط بما تقدم من الغسل والطيب كما قاله أهل العلم؛ لأنها كفارة كما قال صلى الله عليه وسلم: {إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى} أي: غفر له لأنه اغتسل وتطيب وتدهن ولبس وبكر، ولم يتخط رقاب الناس، ودنا من الإمام وأنصت؛ فهذه كلها تقتضي أن تكفر له ذنوبه.

أما إذا تأخر ولم يغتسل ولم يتطيب ولم يتنظف، وتخطى رقاب الناس، وآذى ولم ينصت؛ فهل تحصل له الكفارة؟ لا فإن مفهوم الشرط معتبر عند أهل العلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم شرط هذا بهذا.

وقال ابن حجر: مفهوم الشرط معتبر؛ فلابد من تحصيل هذه الأمور؛ ليكفر الله عنه ما بينه وبين الجمعة الأخرى.

وأما هل تدخل فيها الكبائر؛ فإن الشيخ عبد العزيز بن باز يعلق على هذا؛ لأنه يرد على الشافعية الذين يرون أن الأمر مطلق، والصحيح -كما هو رأي الجمهور- أنها تكفر الصغائر، أما الكبائر فلا تكفر إلا بالتوبة والاجتناب، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: {الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة؛ كفارات أو مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر}

وفي حديث عثمان في صحيح مسلم: {ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله}

لكن هنا إيراد أورده ابن حزم الظاهري صاحب المحلى: وهو من لم تكن عنده صغائر فماذا يفعل به؟

الجواب

يكفر بها من الكبائر، وهذا رأي لـ ابن حزم.

فمن ليس عنده صغائر ولا كبائر يرفع الله به درجاته ويعظم ثوابه.

وليس المهم من الإيراد أن يكون واقعاً؛ فإنه قد تورد قضايا، لكن المقتضى ليس وارداً، المقتضى شيء آخر غير الإيراد، أن نورد قضية ثم نقول من مقتضاها كذا، ولذلك يقول ابن تيمية عن أبي حامد الإسفرائيني: يركب الفتوى لأنه يقول: من فعل كذا فأصبح كذا فصار كذا فهو كذا.

فهذا تركيب الكلام على الكلام بالمقتضى، إنما المهم أن نعرف الأحكام لو وقعت، وسواء وقعت أم لم تقع، فـ ابن حجر ناقش هذه المسألة؛ مسألة: لو لم يكن عنده صغائر ولا كبائر.

وقال: يرفع من درجاته.

ثم هل تكفر الصغائر بصلاة الجمعة وعند صاحبها كبائر؟

الجواب

المسألة فيها قولان: فأصحاب القول الأول قالوا: هذا قيد، ومعناه: إذا انتهى من الكبائر في هذا الأسبوع، وإن كان له كبائر من قبل وهذا فيه تكلف، والصحيح -والله أعلم- أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، وأن التوبة لابد فيها من اجتناب الكبائر، ولكن يبقى عندنا إشكال وهو في قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:٣١]

فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: إذا اجتنبتم الكبائر كفرنا عنكم الصغائر، لا بالجمعة ولا بالصلاة، والشرط في تكفير الصغائر هنا هو اجتناب الكبائر، فكيف تكفر صلاة الجمعة هذه الصغائر وقد كفرت باجتناب الكبائر؟

الجواب: من عنده كبائر تكفر الجمعة عنه الصغائر، أما الذي ليس عنده كبائر فكفر الله سيئاته بغير الجمعة هذه مسائل الكبائر والصغائر، وليس هناك نص في الباب، ولكنه استطراد لقوله: {غفر له ما بين ذلك}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>