الثمرة الثالثة عشرة: يجب أن نعلم أن النعمة لا تدوم إلا بالشكر, وهذه حقيقة كبرى يعرفها الناس، عرفها من عرفها, وجهلها من جهلها, والذي يجهلها ربما يعرفها بدرس من الله:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[النحل:١١٢] وهذا أمر معلوم، فإنه علم أن بعض الشعوب غرقت في المعاصي وسقطت في الفواحش إلى درجة رهيبة؛ فاجتوحوا وأصيبوا بمصائب لا يعلمها إلا الله عز وجل:{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً}[الطلاق:٨] وهذا جزاء من يفعل ذلك، وهذا جزاء أكيد لمن يستمر في إغضاب الله عز وجل وفي نقض أمره وعدم تطبيق كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
كيف تدوم النعمة؟!
إن شكر الباري سبحانه، ليس شكراً باللسان فقط بل شكر العمل وشكر اللسان وشكر الاعتقاد، نعتقد أن المنعم هو الله، رأيت في قصة لداود عليه السلام أنه يقول: يا رب! كيف أشكرك؟! وداود عليه السلام أنعم الله عليه بالنبوة والملك وجمع آل داود وكانوا ثلاثين ألفاً، فقال داود: إن الله أنعم عليكم بنعم لم ينعمها على أحد من الناس فقيدوها، قالوا كيف نقيدها؟ قال: بالشكر، قالوا: ماذا نفعل، قال: دعونا نقتسم ساعات الليل والنهار، نصلي ونسبح ونذكر الله، فتوزعوا ساعات الليل والنهار فما مرت ساعة من ليل أو نهار إلا وأناس من آل داود يصلون وأناس يسبحون ويدعون، فقال الله:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ:١٣] يقول داود في بعض كلامه لربه: يا رب! كيف أشكرك؟ قال: يا داود! أتعلم أن هذا النعيم مني، قال: نعم، قال: فقد شكرتني، وهذا شكر الاعتقاد.
وشكر العمل أن تصرف هذه النعمة في مرضاة الله عز وجل، فالمال الكثير حارب به الشركات السياحية والإجرام، والصد عن سبيل الله، ومحاربة لا إله إلا الله:{فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}[الأنفال:٣٦] وأنا أعرف أن بعض الناس سحب من بعض الأشرطة الغنائية أكثر من مائة ألف شريط ليوزعها على الناس، انظر هذه الهدايا والصدقة:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}[الرعد:١٧] شكوت لأحد العلماء هذا الموقف فقال: لا يهمك حبل الباطل قصير، ثم قال:{فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}[الأنفال:٣٦] بينما لو صرف هذا الجهد وهذا المال في بناء المساجد, وفي توزيع الشريط الإسلامي, وفي إطعام المساكين والفقراء, وفي توزيع الكتيب الإسلامي, وفي إعطاء اللاجئين والمجاهدين؛ لكان عنده فضل عظيم من الله:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:٢٦١] وهذا من عدم شكر النعم وما عرف كيف يصرفها في مصارفها فجعلها الله حسرة كما يقول أبو تمام:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
بل تجد حرص بعض أهل الباطل على نشر الباطل والإنفاق عليه وتأييده كأنه هو الذي يجب أن يسود ويسيطر وهذا خطأ في المنهج.