[اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم]
من علامة اهتدائك للصراط المستقيم, أن تخالف أصحاب الجحيم, لكن من هم أصحاب الجحيم؟ إنهم اليهود والنصارى وغيرهم, ولذلك لما ذكر الله الصراط المستقيم, ثم ذكر الذين أنعم عليهم، قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) فمن شابههم في زيه أو كلامه أو حركاته أو سكناته, فكأنه لم يهتد اهتداءً تاماً, ومن حاول أن يقلدهم في سنته, وسيرته وذاته, فكأنه لم يهتد اهتداءً كاملاً, ومن أعجب بهم وأحبهم ووالاهم فكأنه لم يهتد اهتداءً كاملاً, فعلامة المهتدي أن يخالف أصحاب الجحيم, هذا معنى الصراط المستقيم ومخالفة أصحاب الجحيم, وأحسن من كتب عنها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم " وذكر أنهم يخالفون في أمور منها:
أعيادهم فلا نشابههم في الأعياد، ومنها: زيهم الذي امتازوا به عن الناس, مثل أن يلبسوا لباساً خاصاً بهم فحرام تقليدهم والتشبه بهم.
وعند أحمد وأبي داود بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم، قال: {من تشبه بقوم فهو منهم} ويدخل في ذلك التشبه بهم في كلامهم, ومن أحب لغتهم فإن فيه علامة النفاق, وفيها أثر لا يصح, ولكن قال ابن تيمية إن من ينطق لغتهم دائماً ويحبها ويقدمها على العربية فهو من علامة نفاقه وهذا واقع في المجتمع, تجد بعض الناس يحب أن يتكلم الإنجليزية ولو في داخل أبها , ليظهر على نفسه التطور, ويجافي اللغة العربية, وهذا من علامة النفاق, لأنه أحبهم وأحب لغتهم, ومن أحب شيئاً أولع به.
أحب بني السودان من أجل حبها ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
حتى بني كلب وهم أخوالها أحبهم لأنه يحبها! فمن أحب شيئاً أحب ما يتبع هذا الشيء, ولذلك من يحب الله فإنه يحب المسجد والقرآن والرسول عليه الصلاة والسلام.
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة:٦ - ٧] الصراط: مفعول به, الصراط.
صفة للصراط, صراط: بدل من هم المستقيم, صراط الذين أنعمت عليهم, من الذين أنعم الله عليهم؟ كل من اهتدى فقد أنعم الله عليه, وكل مسلم أنعم الله عليه, ولكنهم يختلفون لأن المسلمين على ثلاثة أقسام:
الأول: ظالم لنفسه: وهو مرتكب للكبائر.
الثاني: مقتصد: وهو الذي يكتفي بالفرائض ولا يزيد عليها, وينتهي عن الكبائر, ولكنه قد يأتي ببعض المكروهات.
الثالث: سابق بالخيرات: وهو الذي يأتي بالفرائض والنوافل, ويترك الذنوب والحرام والمكروه.
فالثلاثة هؤلاء أنعم الله عليهم كلهم, لكن ليس المقتصد كالسابق, ولا الظالم كالمقتصد, بل هم درجات عند الله، فإذا علم هذا فدرجات المسلمين ثلاث درجات:
- فهل الظالم لنفسه من الذين أنعم الله عليهم؟ نعم, من الذين أنعم الله عليهم بالإسلام جملة, ولم يخرجهم من نعمة الإسلام.
لكن الخوارج قالوا: من ارتكب كبيرة فقد خرج من الدائرة, إذا زنى فقد خرج عندهم, إذا سرق, أو شرب الخمر, أو تناول بعض الكبائر, فإنه خرج! والصحيح أنه: لا يزال في دائرة الإسلام, وهو من الذين أنعم الله عليهم, لكن نعمته قليلة جداً, وضوءه ينطفئ, ونوره يذهب, لولا أن يتداركه الله برحمته, ولو أنه إذا زنى يرتفع عنه الإيمان؛ حتى يصبح كالظلة على رأسه, وإذا سرق يرتفع عنه الإيمان, {لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن, ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن, ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن} يرتفع الإيمان عنه في وقت شرب الخمر, أو الزنا, أو السرقة, حتى يصبح كالظلة على رأسه, فإذا رجع من المعصية رجع عليه الإيمان.
- أما المقتصد: فهم أكثر الناس، يتوب ويستغفر ولكنه لا يسلم من الخطايا والصغائر.
- أما السابق بالخيرات:
لاتعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
فالسابق بالخيرات كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:٩٠].